فرددنا إليه المتشابه ومن ذلك قوله: " قل كل من عند الله " (1) فرددناه إلى المحكم الذي هو قوله: " ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " (2) ومن ذلك قوله: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " (3) متشابه، وبين المراد بالمحكم الذي هو قوله: " وما الله يريد ظلما للعالمين " (4) ومن ذلك اعتراض الملحدين في باب النبوة بما يوهم المناقضة كقوله: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين) (5) فقال اليومان والأربعة واليومان ثمانية ثم قال " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام " فأوهموا أن ذلك مناقضة وليس الامر على ما ظنوه لان ذلك يجري مجرى قول القائل: سرنا من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وسرنا إلى الكوفة في خمسة عشر يوما فالعشرة داخلة في الخمسة عشر ولا يضاف فيقال: عشرة، وخمسة عشر خمسة وعشرون يوما كان فيها السير، فكذلك خلق الله الأرض في يومين وقضاهن سبع سماوات في يومين وتمم خلقهن في ستة أيام. وتقديره خلق الأرض في يومين من غير تتميم وجعل فيها رواسي وما تم به خلقها في أربعة أيام فيها اليومان الأولان كما يقال: جعل الدور في شهرين وفرغ منهن في أربعة أشهر. فيكون المحكم قد أبان عن معناه أنه على جهة خلق الأرض في يومين من غير تتميم، وليس على وجه التضاد على ما ظنوه.
فان قيل: كيف يكون المحكم حجة مع جواز تقييده بما في العقل؟ وفي ذلك إمكان كل مبطل أن يدعيه فتذهب فائدة الاحتجاج بالمحكم؟ قلنا: لا يجب ذلك من قبل أن التقييد بما في العقل إنما يجوز فيما كان ردا إلى تعارف من جهة