مثل قوله: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " (1) بمعنى الجميع آية ولو أريد أن كل واحد منهما آية على التفصيل، لقيل آيتين. فان قيل: لم أنزل في القرآن المتشابه؟ وهلا أنزله كله محكما! قيل للحث على النظر الذي يوجب العلم دون الاتكال على الخبر من غير نظر، وذلك أنه لو لم يعلم بالنظر أن جميع ما يأتي به الرسول حق يجوز أن يكون الخبر كذبا، وبطلت دلالة السمع، وفائدته، فلحاجة العباد إلى ذلك من الوجه الذي بيناه، أنزل الله متشابها، ولولا ذلك لما بان منزلة العلماء، وفضلهم على غيرهم، لأنه لو كان كله محكما لكان من يتكلم باللغة العربية عالما به، ولا كان يشتبه على أحد المراد به فيتساوى الناس في علم ذلك، على أن المصلحة معتبرة في انزال القرآن، فما أنزله متشابها لان المصلحة اقتضت ذلك، وما أنزله محكما فلمثل ذلك. والمتشابه في القرآن يقع فيما اختلف الناس فيه من أمور الدين: من ذلك قوله تعالى " ثم استوى على العرش " (2) فاحتمل في اللغة أن يكون كاستواء الجالس على السرير واحتمل أن يكون بمعنى الاستيلاء نحو قول الشاعر:
ثم استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق (3) وأحد الوجهين لا يجوز عليه تعالى لقوله: " ليس كمثله شئ " (4) وقوله " لم يكن له كفوا أحد ".
والاخر يجوز عليه، فهذا من المحكم الذي يرد إليه المتشابه. ومن ذلك قوله:
" ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به " (5) فاحتمل ظاهره تكليف المشاق، واحتمل تكليف مالا يطاق وأحدهما لا يجوز عليه تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (6)