فيه صلاح لهم في دينهم ودنياهم وإنما يوصف بالولي من كان أولى بغيره وأحق بتدبيره. ومنه الوالي، لأنه يلي القوم بالتدبير والامر، والنهي، ومنه المولى من فوق، لأنه يلي أمر العبد بسد الخلة، وما به إليه الحاجة، ومنه المولى من أسفل لأنه يلي أمر المالك بالطاعة، والمولى ابن العم لأنه يلي أمره بالنصرة لتلك القرابة، وولي اليتيم لأنه يلي أمر ماله بالحفظ له والقيام عليه. والولي في الدين وغير، لأنه يلي أمره بالنصرة والمعونة لما توجبه الحكمة، والمعاقدة لجميع هذه المواضع الأولى والاحق ملحوظ فيه. وولى: إذا ادبر عن الشئ لأنه زال عن أن يليه بوجهه واستولى على الشئ: إذا احتوى عليه، لأنه وليه بالقهر.
والله تعالى يتولى المؤمنين على ثلاثة أوجه: يتولاهم بالمعونة على إقامة الحجة، ويتولاهم بالنصرة لهم في الحرب حتى يغلبوا، ويتولاهم بالمثوبة على الطاعة.
وقوله (يخرجهم من الظلمات إلى النور). ومعناه: من ظلمات الكفر إلى نور الايمان، لأنه الكفر كالظلمة في المنع من إدراك الحق كما أن الظلمة مانعة من إدراك البصر. وقال قتادة: يخرجهم من ظلمة الضلالة إلى نور الهدى، وهذا قريب من الأول، ووجه إخراج الله تعالى المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الايمان باهدائهم إليه، ونصب الأدلة لهم، وترغيبهم فيه، وفعله بهم من الألطاف ما يقوي دواعيهم إلى الايمان، فإذا اختاروا هم الايمان، فكأن الله أخرجهم منها، ولم يجز أن يقال: إنه أخرج الكفار من الظلمات إلى النور من حيث قدرهم على الايمان، ودعاهم إليه ورغبهم فيه، كما فعل بالمؤمنين، لأنهم لم يختاروا الايمان، فلم يجز أن يقال: إنه أخرجهم منه لأنه توهم أنهم فعلوا الايمان. وقوله: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) إنما أضاف إخراجهم " من النور " الذي هو الايمان إلى الكفر إلى الطاغوت، لما كان ذلك باغوائهم، ودعائهم، وإنما كفروا عند ذلك، فأضاف ذلك إليهم، فهو عكس الأول. فان قيل: كيف " يخرجونهم من النور " وما دخلوا فيه؟