ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين " (1).
والثاني - ملك بتمليك الأمر والنهي والتدبير لأمور الناس، فهذا لا يجوز أن يجعله الله لأهل الضلال لما فيه من الاستفساد بنصب من هذا سبيله للناس، لأنه لا يصح مع علمه بفساده إرادة الاستصلاح به كما يصح منا فيمن لا يعلم باطن حاله ممن يؤمن علينا. ومن قال الهاء كناية عن إبراهيم (ع) لم يتوجه عليه السؤال، لأنه تعالى لم يؤت الكافر الملك، وإنما آتى نبيا مرسلا.
وقوله (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت) معناه يحيي الميت ويميت الحي، فقال الكافر عند ذلك: أنا أحيي وأميت، يعنى أحييه بالتخلية من الحبس ممن وجب عليه القتل وأميت بالقتل من شئت ممن هو حي، وهذا جهل منه، لأنه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى، عادلا عن وجه الحجة بفعل الحياة للميت أو الموت للحي على سبيل الاختراع كما يفعله الله (تعالى) من إحياء من قتل أو مات ودفن وذلك معجز لا يقدر عليه سواه، فقال إبراهيم (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) ولم يكن ذلك انتقالا من إبراهيم من دليل إلى دليل آخر من وجهين:
أحدهما - أن ذلك يجوز من كل حكيم بعد تمام ما ابتداء به من الحجاج، وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمل، والتدبر لموقعها من الحجة المعتمد عليها.
الثاني - أن إبراهيم إنما قال ذلك ليتبين أن من شأن من يقدر على إحياء الأموات وإماتة الاحياء، أن يقدر على الاتيان بالشمس من المشرق، فان كنت قادرا على ذلك فأت بها من المغرب " فبهت الذي كفر " وإنما فعل ذلك، لأنه لو تشاغل معه بأني أردت اختراع الحياة والموت من غير سبب ولا علاج لاشتبه على كثير ممن حضر، فعدل إلى ما هو أوضح وأكشف، لان الأنبياء (ع) إنما بعثوا للبيان والايضاح، وليس أمورهم مبنية على بناء الخصمين إذا تحاجا، وطلب