بعض ابنيته على بعض، وسمي الكرسي بذلك، لتركيب بعضه على بعض. ويقال:
كرسي الملك من مكان كذا إلى مكان كذا أي ملكه تشبيها بالكرسي المعروف.
وكرس يكرس كرسا، وأكرس إكراسا، وتكارس تكارسا، وتكرس تكرسا، وكرسه تكريسا، وأصل الباب الكرس: تراكب الشئ بعضه على بعض.
والوجه في خلق الكرسي إذا قلنا: أنه جسم هو أن الله تعبد تحمله الملائكة والتعبد عنده كما تعبد البشر بزيادة، ولم يخلقه ليجلس عليه، كما تقول المجسمة.
واختاره الطبري، لأنه عز وجل يتعالى عن ذلك، لان ذلك من صفات الأجسام ولو احتاج إلى الجلوس عليه، لكان جسما ومحدثا وقد ثبت قدمه.
وقوله: " ولا يؤوده حفظهما " أي لا يثقله، والهاء في يؤوده راجعة إلى الله وقيل إنها عائدة إلى الكرسي. والاود مصدر، آده يؤوده أودا وأيادا إذا أثقله وجهده، وأودت العود فأنا آوده أودا، فانآد ومعناه عجته فانعاج، لأنه اعتمد عليه بالثقل حتى مال، والأود، والأوداء على وزن أعوج وعوجاء والمعنى واحد والجمع الأود بوزن العوج وأصل الباب الثقل.
وقوله: " وهو العلي العظيم " فالعلى يعنى بالاقتدار ونفوذ السلطان. ويقال علا بالاقتدار، ولا يقال رفيع، لان الرفعة من المكان، والعلو منقول إلى معنى الاقتدار يوضح ذلك قولهم: علا قرنه بمعنى اقتدر ولا يقال ارتفع عليه بمعنى اقتدر وكذلك استعلى عليه بالحجة، ولا يقال ارتفع عليه بالحجة. وتقول: علا يعلو علوا وأعلى إعلاء وعلى تعلية واستعلى استعلاء. وتعلى تعليا. وتعالى تعاليا واعتلاه اعتلاء، وعالى معالاة. والعلو - بضم العين وكسرها - نقيض السفل، والعلو التجبر، ومنه قوله تعالى: " إن فرعون علا في الأرض " (1) أي تجبر، لأنه طلب الاستعلاء على الناس بالسلطان والقهر. والله العالي والمتعالي أي القادر القاهر، لأنه عال بالاقتدار، لأنه لا يعجزه شئ والعالية: القناة المستقيمة، لاستمرارها في جهة العلو. وفلان من علية الناس أي من أشرافهم، لأنه علا بشرفه. والعلية: الغرفة