الثاني - لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة لو جاء على خلاف ما تقدمت به البشارة في الكتب السالفة من أن المؤمنين سيوجهون إلى الكعبة.
وموضع اللام من " لئلا " نصب والعامل فيه أحد شيئين: فولوا. والآخر ما دخل الكلام من معنى عرفتكم ذلك. وهو قول الزجاج.
وقوله: " إلا الذين ظلموا منهم " قيل فيه أربعة أقوال:
أحدها - أنه استثناء منقطع، و " إلا " بمنزلة (لكن) كقوله (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) (1) وقوله: ماله علي إلا التعدي، والظلم، كأنك قلت:
لكن يتعدى ويظلم، وتضع ذلك موضع الحق اللازم، فكذلك لكن الذين ظلموا منهم، فإنهم يتعلقون بالشبهة، ويضعونها موضع الحجة. فلذلك حسن الاستثناء المنقطع قال النابغة:
لا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (2) جعل ذلك عيبهم على طريق البلاغة، وإن كان ليس بعيب. كأنه يقول: إن كان فيهم عيب فهذا، وليس هذا بعيب، فإذا ليس فيهم عيب، فكذا إن كان على المؤمنين حجة، فللظالم في احتجاجه، ولا حجة له، فليس إذا عليهم حجة.
القول الثاني - أن تكون الحجة بمعنى المحاجة، والمجادلة، كأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلا الذين ظلموا منهم، فإنهم يحاجوكم بالباطل.
الثالث - ما قاله أبو عبيدة ان (إلا) هاهنا بمعنى الواو كأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة والذين ظلموا منهم. وان ذكر ذلك الفراء والمبرد قال الفراء: لا يجئ إلا بمعنى الواو إلا إذا تقدم استثناء كما قال الشاعر:
ما بالمدينة دار غير واحدة * دار الخليفة إلا دار مروان