مجاهد: لان قريشا فخرت بردها رسول الله صلى الله عليه وآله - يوم الحديبية - محرما - في ذي القعدة - عن البلد الحرام، فأدخله الله عز وجل مكة في العام المقبل في ذي القعدة، فقضى عمرته، وأقصه بما حيل بينه وبينه يوم الحديبية، وهو معنى قول قتادة، والضحاك، والربيع، وابن زيد.
وروي عن ابن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي (ع) مثله.
والقول الثاني - " والحرمات قصاص " بالقتال في الشهر الحرام أي لا يجوز للمسلمين إلا قصاصا. وقال الحسن: إن مشركي العرب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله:
أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام، قال نعم، فأراد المشركين أن يغزوه في الشهر الحرام، فيقاتلوه، فأنزل الله تعالى: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " أي إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا، فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم.
وبه قال الزجاج، والجبائي.
وإنما جمع الحرمات لاحد أمرين: أحدهما - إنه يريد حرمة الشهر، وحرمة البلد، وحرمة الاحرام.
الثاني - كل حرمة تستحل، فلا يجوز إلا على وجه المجازاة وفي الناس من قال: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: " قاتلوا المشركين كافة " (1) وقال آخرون ليست منسوخة، لأنه يجوز اجتماعه مع تلك الفريضة - وهو الأولى - لأنه لا دلالة على نسخها.
والحرام: هو القبيح الممنوع من فعله. والحلال: المطلق المأذون فيه.
والقصاص الاخذ للمظلوم من الظالم، من أجل ظلمه إياه. فان قيل: كيف جاز قوله: " إن الله لا يحب المعتدين " مع قوله " فاعتدوا عليه " (2) قلنا الثاني ليس باعتداء على الحقيقة، وإنما هو على وجه المزاوجة، ومعناه المجازات على ما بينا.
والمعتدي مطلقا لا يكون إلا ظالما لضرر قبيح، وإذا كان مجازا فإنما يفعل ضررا