شاطئ النهر ينتظرون مجزأة أن يأتيهم وهو عند أبي موسى يوصيه ويأمره، قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: وليس لهم هم غيره - يشير إلى الموت، لأنظرن إلى ما يصنع، والمائدة موضوعة بين يدي أبي موسى، قال: فكأنه استحي أن لا يتناول من المائدة شيئا، قال:
فتناول حبة من عنب فلاكها، فما قدر على أن يسيغها وأخذها رويدا فنبذها تحت الخوان، وودعه أبو موسى وأوصاه فقال: مجزأة لأبي موسى: إني أسألك شيئا فأعطنيه.
قال: لا تسألني شيئا إلا أعطيتكه، قال: فأعطني سيفك أتقلده إلى سيفي، فدعا له بسيفه فأعطاه إياه، فذهب إلى القوم وهم ينظرونه حتى كان في وسطه منهم فكبر ووقع في الماء ووقع القوم جميعا، قال: يقول عبد الرحمن بن أبي بكرة: كأنهم البط فسبحوا حتى جاوزوا، ثم انطلق بهم إلى الثقب الذي يدخل الماء منه فكبر، ثم دخل فلما أفضى إلى المدينة فنظر لم يقم معه إلا خمسة وثلاثون أو ستة وثلاثون رجلا، فقال لأصحابه: ألا أعود إليهم فأدخلهم؟ فقال رجل من أهل الكوفة يقال له الجبان لشجاعته: غيرك فليقل هذا يا مجزأة، إنما عليك نفسك، فامض لما أمرت به، فقال له: أصبت، فمضى بطائفة منهم إلى الباب فوضعهم عليه ومضى بطائفة إلى السور، ومضى بمن بقي حتى صعد إلى السور، فانحدر عليه علج من الأساورة معه، فنزل فطعن مجزأة فأثبته، فقال مجزأة: امضوا لأمركم، لا يشغلنكم عني شئ، فألقوا عليه برذعة ليعرفوا مكانه ومضوا، وكبر المسلمون على السور وعلى باب المدينة وفتحوا الباب وأقبل المسلمون على عادتهم حتى دخلوا المدينة، قال: قيل للهرمزان: هذا العرب قد دخلوا، قال: لا شك أنهم قد رحسوها، قال: من أين دخلوا؟ أمن السماء، قال: وتحصن في قصبة له، وأقبل أبو موسى يركض على فرس له عربي حتى دخل على أنس بن مالك وهو على الناس، قال: لكن نحن يا أبا حمزة لم نصنع اليوم شيئا، وقد قتلوا من القوم من قتلوا، وأسروا من أسروا، وأطافوا بالهرمزان لقصبته إليه حتى أمنوه، ونزل على حكم عمر الخطاب أمير المؤمنين، قال: فبعث بهم أبو موسى مع أنس الهرمزان وأصحابه، فانطلقوا بهم حتى قدموا على عمر، قال: فأرسل إليه أنس: ما ترى في هؤلاء؟ أدخلهم عراة مكتفين، أو آمرهم فيأخذون حليهم وبرمتهم، قال: فأرسل إليه عمر، لو أدخلتهم كما تقول عراة مكتفين لم يزيدوا على أن يكونوا أعلاجا، ولكن أدخلهم عليهم حليهم وبرمتهم حتى يعلم المسلمون ما أفاء الله عليهم،