وأما قياسهم زكاة العين على زكاة المواشي بعلة تكرر الصدقة في كل ذلك كل عام بخلاف زكاة الزرع: فقياس فاسد، بل لو كان القياس حقا لكان قياس العين على الزرع أولى لان المواشي حيوان، والعين، والزرع، والتمر ليس شئ من ذلك حيوانا، فقياس زكاة ما ليس حيا (1) على زكاة ما ليس حيا أولى من قياس ما ليس حيا علي حكم الحي.
وأيضا فان الزرع، والتمر، والعين كلها خارج من الأرض، وليس الماشية كذلك، فقياس ما خرج من الأرض على ما خرج من الأرض أولى من قياسه على ما لم يخرج من الأرض.
وأيضا فإنهم جعلوا وقص الورق تسعة وثلاثين درهما، وليس في شئ من الماشية وقص من تسعة وثلاثين، فظهر فساد قياسهم، وبالله تعالى التوفيق. فسقط كل ما موهوا به.
ثم وجدنا الرواية عن عمر رضي الله عنه بمثل قولهم لا تصح، لأنها عن الحسن عن عمر والحسن لم يولد الا لسنتين باقيتين من خلافة عمر، فبقيت الرواية عن علي، وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لذلك.
قال أبو محمد: فإذا لم يبق لأهل هذا القول متعلق نظرنا في القول الثاني.
فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي هو عبد الله بن المثنى ثنا ثمامة بن أنس بن مالك ان أنسا (2) حدثه: ان أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفيه: (وفى الرقة ربع عشرها (3)، فإن لم تك الا تسعين ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاء ربها).
فأوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الصدقة في الرقة، وهي الورق، ربع العشر عموما، لم يخص من ذلك شيئا الا ما كان أقل من خمس أواقي، فبقي ما زاد على ذلك على وجوب الزكاة فيه، فلا يجوز تخصيص شئ منه (4) أصلا وبالله تعالى التوفيق.