وقال من رأى أن الخلطة لا تحيل حكم الصدقة: معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة) هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد ثلثها، فيجب على كل واحد شاة، فنهوا عن جمعها وهي متفرقة (1) في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد فلا يأخذ الا واحدة، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه، فيفرقها قسمين ويلبس على الساعي أنها لاثنين، لئلا يعطى منها الا شاتين، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن يجمعا على الاثنين فصاعدا مالهم ليكثر ما يأخذ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة، وان وجده في مكانين متباعدين (2) ليكثر ما يأخذ.
وقالوا: ومعنى قوله عليه السلام: (كل خليطين يترادان بينهما بالسوية) هو أن الخليطين في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام هما ما اختلط معا غيره فلم يتميز، ولذلك سمى الخليطان من النبيذ بهذا الاسم، وأما ما لم يختلط مع غيره فليسا خليطين، هذا مالا شك فيه، قالوا: فليس الخليطان في المال الا الشريكين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر، فان تميز فليسا خليطين، قالوا: فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله، وليس عليه أن ينتظر قسمتهما لمالهما، ولعلهما لا يريد ان القسمة، وإن كان حاضرين فليس له ان يجبرهما على القسمة، فإذا أخذ زكاتيهما فإنهما يترادان بالسوية، كاثنين لأحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون، وهما شريكان في جميعها، فيأخذ المصدق شاتين، وقد كان لأحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها، فيترادان بالسوية، فيبقى لصاحب الأربعين تسع وثلاثون، ولصاحب الثمانين تسع وسبعون.
قال أبو محمد: فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر، ولم تكن لإحداهما مزية على الأخرى في الخبر (3) المذكور.
فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التي رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح، لان كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته، وليس شئ من تفسير الطائفة الأخرى مجمعا عليه، فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان، وصح تأويل الأخرى (4) لأنه لا شك في صحة ما اتفق عليه، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا يدل على صحته نص ولا إجماع، فهذه حجة صحيحة.
ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ليس فيما دون خمسة ذود صدقة) وأن من لم يكن له الا أربع من الإبل فلا صدقة عليه،) وليس فيما دون أربعين شاة شئ)