والثاني: أنه لو صح لكان حجة عليهم، لان فيه أن أبي بن كعب لم يستجز أخذ ناقة فتية عظيمة مكان ابنة مخاض، ورأي ذلك خلافا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولم ير ما يراه هؤلاء من التعقب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بآرائهم ونظرهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم ذلك فلم ينكره عليه، فصح أنه الحق، وإنما كأن يكون فيه أخذ ناقة عظيمة مكان ابنة مخاض فقط، وأما إجازة القيمة فلا أصلا (1).
واحتجوا بخبرين، أحدهما رويناه من طريق الحسن، والآخر من طريق عطاء كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أنه قال للمصدق: (أعلمه الذي عليه من الحق، فان تطوع بشئ فاقبله منه).
وهذان مرسلان، ثم لو صحا لم يكن فيهما حجة، لأنه ليس فيه نص بأخذ غير الواجب ولا بأخذ قيمة، ونحن لا ننكر أن يعطى أفضل ما عنده من السن الواجبة عليه.
واحتجوا بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي (2) عن عطاء بن أبي رباح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لما بعث عليا ساعيا قالوا: لا نخرج لله إلا خير أموالنا، فقال: ما أنا بعادي عليكم (3) السنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال له: ارجع إليهم فبين لهم ما عليهم في أموالهم، فمن طابت نفسه بعد ذلك بفضل فخذه منه.
قال أبو محمد وهذا لا حجة فيه لوجهين.
أحدهما: أنه لا يصح لأنه مرسل، ثم إن راويه عبد الملك العرزمي، وهو متروك (4) ثم إن فيه ان عليا بعث ساعيا وهذا باطل، ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قط أحدا من بني هاشم ساعيا، وقد طلب ذلك الفضل بن عباس فمنعه.
ولو صح لما كان لهم فيه حجة أصلا، لان فيه أنهم أرادوا إعطاء أفضل أموالهم مختارين، وهذا لا لمنعه إذا طابت نفس المزكى باعطاء أكرم شاة عنده وأفضل ما عنده من تلك السن والواجبة عليه، وليس فيه إطاع سن مكان غيرها أصلا ولا دليل على قيمة البتة.