المحلى - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٢٨
واحتجوا بحديث وائل بن حجر في الذي أعطى في صدقة ماله فصيلا مخلولا (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: (لا بارك الله له، ولا في إبله (2)) فبلغ ذلك الرجل، فجاء بناقة فذكر من جماله أو حسنها، وقال: أتوب إلى الله والى نبيه، فقال النبي صلى الله عليه وآله سلم (اللهم بارك فيه وفى إبله) (3).
وقال أبو محمد هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لان الفصيل لا يجزئ في شئ من الصدقة بلا شك، وناقة حسناء جميلة قد تكون جذعة وقد تكون حقة، فأعطى ما عليه بأحسن ما قدر، وليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على القيمة أصلا.
واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع قال: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بكرا فجاءته إبل من إبل الصدقة، فأمرني أن أقضى الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلم: أعطه إياه، فان خيار الناس أحسنهم قضاء).
قال أبو محمد: هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لأنه ليس فيه ان ذلك الجمل أخذ في زكاة واجبة بعينه، وقد يمكن أن يبتاعه المصدق ببعض ما أخذ في الصدقة، فهذا غير ممتنع.
وقد جاء في هذا أثر يحتجون بدونه، وأما نحن فلسنا نورده محتجين به، لكن تذكير الهم.
وهو خبر رويناه من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن مجالد عن الصنابح الأحمسي: (4) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أبصر ناقة في إبل الصدقة، فقال ما هذه؟ فقال صاحب الصدقة: إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل، قال: فنعم إذن).

(١) أي مهزولا، وهو الذي جعل في أنفه خلال لئلا يرضع أمه فتهزل، قاله السيوطي (٢) الحديث رواه النسائي (ج ٥ ص ٣٠) والحاكم (ج ١ ص ٤٠٠) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ولفظهما (اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله) الا ان الحاكم زاد فقال (له فيه) (٣) ما هنا الذي في النسخة رقم (١٤) وهو الموافق للنسائي والحاكم، وفى النسخة رقم (١٦) (اللهم بارك له وفى إبله) (٤) الصنابح بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الباء الموحدة ثم جاء حاء مهملة، ووقع في الإصابة (الصنايح) بالمثناة التحية وهو تصحيف، وهو ابن الأعسر الأحمسي، نسبه إلى (أحمس) وهي طائفة من بحيلة نزلوا الكوفة. والصنابح هذا صحابي لم يذكر واله الا حديثا واحدا رواه ابن ماجة في الفتن، وهو حديث (انى فرطكم على الحوض وانى مكا ثر بكم الأمم) ولم أجد إشارة عند أحد إلى الحديث الذي هنا واسناده صحيح ان ثبت سماع مجالد من الصنابح، فان مجالدا يروى عن قيس بن أبي حازم وقيس يروى عن الصنابح، وقد انفرد بالرواية عنه فلم يرو عن الصنابح غيره، كما قال ابن الجوزي في تلقيح الفهوم (ص ٢٠٨) وكذلك قال مسلم صاحب الصحيح في كتابه المنفردات والوحدان (ص 3) (5) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصبه: (قال في الصحاح: الحوش النعم المتوحشة، ويقال إن الإبل الحوشية منسوبة إلى الحوش، وهي فحول جن تزعم العرب انها ضربت في بعضهم فنسبت إليها!
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست