جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير (1) مخاطب، وقد كان مخاطبا به، فان أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فإنه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما، لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال، أو من علم بأنه يوم نذره أو فرضه على ما قدمنا قبل، وكذلك من أغمي عليه كما ذكرنا، وكذلك من جن أو أغمي عليه قبل غروب الشمس، أو من نام أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا الا من الغد وقد مضى أكثر النهار، أو أقله.
ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه إيمانه ولا أيمانه (2) ولا نكاحه ولاطلاقه ولا ظهاره ولا إيلاءه ولا حجة ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته، ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه، ولا خلافته إن كان خليفة، ولا إمارته إن كان أميا، ولا ولايته (3)، ولا وكالته، ولا توكيله، ولا كفره، ولا فسقه، ولا عدالته، ولا وصاياه، ولا اعتكافه، ولا سفره، ولا اقامته، ولا ملكه، ولا نذره، ولا حنثه، ولا حكم العام في الزكاة عليه (4).
ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شئ من ذلك، فقد يذهل الانسان عن الصوم والصلاة حتى يظن (5) أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب، ولا يبطل بذلك صومه ولا صلاته، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا في الصلاة وغيرها، وكذلك المغمى عليه ولافرق في كل ذلك، ولا يبطل الجنون والاغماء إلا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط.
وأيضا: فان المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، والمجنون، والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر (6) غالب من عند الله تعالى على ما أصابهما، فلا يبطل ذلك صومهما.
وأيضا: فان من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن، أو أغمي عليه فقد صح صومه بيقين من نص واجماع، فلا يجوز بطلانه بعد صحته إلا بنص أو إجماع، ولا إجماع في ذلك أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع، ولا الأحكام