ولم يزل مرفوعا عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا، بخلاف قول مالك:
فإذا عقل فحينئذ (1) ابتدأ الخطاب بلزومه إياه لا قبل ذلك.
وأما من شرب حتى سكر في ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثره أو بعد غروب الشمس: فصومه تام، وليس السكر معصية، إنما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكر، ولا خلاف في أن من فتح فمه (2) أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر في حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره، لأنه لم يشرب ما يسكره باختياره، والسكر ليس هو فعله، إنما هو فعل الله تعالى فيه، وإنما ينهى المرء عن فعله، لا عن فعل الله تعالى فيه الذي لا اختيار له فيه.
وكذلك من نام ولم يستيقظ الا في النهار ولا فرق، أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ الا بعد غروب الشمس، فصومه تام.
وبقى حكم من جن، أو أغمي عليه، أو سكر، أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى (3) بعد غروب الشمس: أيقضيه أم لا؟
فوجدنا القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجب الا بنص، فلم نجد (4) إيجاب القضاء في النص إلا على أربعة: المسافر، والمريض بالقرآن والحائض، والنفساء، والمتعمد للقئ (5) بالسنة ولا مزيد، ووجدنا النائم، والسكران، والمجنون المطبق عليه (6) ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقئ ولا حيضا ولامن ذوات النفاس ولا مرضى، فلم يجب عليهم القضاء (7) أصلا، ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الأحوال، بل القلم مرفوع عنهم بالسنة، ووجدنا المصروع، والمغمى عليه مريضين بلا شك، لان المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها، وهذه صفة المصروع، والمغمى عليه بلا شك، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الإفاقة مدة، فإذا هما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن وبالله تعالى التوفيق.
وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته (8) منها وبقضاء النائم للصلاة مخالفا لقولنا ههنا، بل هو موافق، لان ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن