ولم يقبل الخبث) قالوا: فدلت هذه الأحاديث على أن الماء يقبل النجاسة ما لم يبلغ حدا ما، قالوا: فكانت القلتان حدا منصوصا عليه فيما لا يقبل النجاسة منه، واحتج بهذا أيضا أصحاب أبي حنيفة في قولهم * ثم اختلفوا في تحديد القلتين، فقال بعض أصحاب أبي حنيفة: القلة أعلى الشئ، فمعنى القلتين ههنا القامتان، وقال الشافعي بما روى عن ابن جريج: ان القلتين من قلال هجر، وان قلال هجر القلة الواحدة قربتان أو قربتان وشئ، قال الشافعي: القربة مائة رطل، وقال أحمد بن حنبل بذلك، ولم يحد في القلتين حدا أكثر من أنه قال مرة: القلتان أربع قرب، ومرة قال: خمس قرب، ولم يحدها بأرطال. وقال إسحاق: القلتان ست قرب، وقال وكيع ويحيى بن آدم: القلة الجرة وهو قول الحسن البصري، أي جرة كانت فهي قلة، وهو قول مجاهد وأبى عبيد، قال مجاهد: القلة الجرة، ولم يحد أبو عبيد في القلة حدا * وأظرف شئ تفريقهم بين الماء الجاري وغير الجاري، فان احتجوا في ذلك بان الماء الجاري إذا خالطته النجاسة مضى وخلفه طاهر: فقد علموا يقينا ان الذي خالطته النجاسة إذا انحدر فإنما ينحدر كما هو، وهم يبيحون لمن تناوله في انحداره فتطهر به أن يتوضأ منه ويغتسل ويشرب، والنجاسة قد خالطته بلا شك، فوقعوا في نفس ما شنعوا وأنكروا. فان قالوا: لم نحتج في الفرق بين الماء الجاري وغير الجاري إلا بأن النهى إنما ورد عن الماء الراكد الذي يبال (1) فيه. قلنا: صدقتم، وهذا هو الحق، وبذلك الامر نفسه في ذلك الخبر نفسه فرقنا نحن بين من ورد عليه النهى وهو البائل، وبين من لم يرد عليه النهى وهو غير البائل، ولا سبيل إلى دليل يفرق بين ما أخذوا به من ذلك الخبر وبين ما تركوا منه. وبالله تعالى التوفيق * واحتجوا بحديث الفأرة في السمن فيما ادعوه من قبول ما عدا الماء للنجاسة * قال علي: هذا كل ما احتجوا به، ما لهم حجة أصلا غير ما ذكرنا، وكل هذه الأحاديث صحاح ثابتة لا مغمز فيها، وكلها لا حجة لهم في شئ منها، وكلها حجة
(١٥١)