ما يذهب الريح، وهاتان الروايتان ليست واحدة منهما قول أبي حنيفة أصلا * وأما الرواية عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما فلو صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بذلك فرض نزح البئر مما يقع فيها من النجاسات، فكيف عمن دونه عليه السلام، لأنه ليس فيه أنهما أوجبا نزحها ولا أمرا به، وإنما هو فعل منهما قد يفعلانه عن طيب النفس، لا على أن ذلك واجب. فبطل تعلقهم بفعل ابن عباس وابن الزبير، وأيضا فان في الخبر نفسه: أنه قيل لابن عباس: قد غلبتنا عين من جهة الحجر، فأعطاهم كساء خز فحشوه فيها حتى نزحوها، وليس هذا قول أبي حنيفة وأصحابه، لان حد النزح عند أبي حنيفة أن يغلبهم الماء فقط، وعند محمد مائتا دلو فقط، وعند أبي يوسف كقول أبي حنيفة، فمن أضل ممن يحتج بخبر يقضى بأنه حجة على من لا يراه حجة ثم يكون المحتج به أول مخالف لما احتج! فكيف ولو صح انهما رضي الله عنهما أمرا بنزحها لما كان للحنفيين في ذلك حجة، لأنه لا يجوز أن يظن بهم إلا أن زمزم تغيرت بموت الزنجي، وهذا قولنا. ويؤيد هذا صحة الخبر عن ابن عباس الذي رويناه من طريق وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي عن ابن عباس: أربع لا تنجس، الماء والثوب والانسان والأرض. وقد روينا عن عمر بن الخطاب: ان الله جعل الماء طهورا * وأما التابعون المذكورون، فان إبراهيم النخعي قال: في الفأرة أربعون دلوا، وفى السنور أربعون دلوا، وقال الشعبي: في الدجاجة سبعون دلوا، وقال حماد بن أبي سليمان: في السنور ثلاثة دلوا، وفى الدجاجة ثلاثون دلوا، وقال سلمة بن كهيل:
في الدجاجة أربعون دلوا، وقال الحسن: في الفأرة أربعون دلوا، وقال عطاء: في الفأرة عشرون دلوا، وفى الشاة تموت في البئر أربعون دلوا، فان تفسخت فمائة دلو أو تنزح، وفي الكلب يقع في البئر ان أخرج منها حيا عشرون دلوا، فان مات فأخرج حين موته فستون دلوا، فان تفسخ فمائة دلو أو تنزح. فهل من هذه الأقوال قول يوافق أقوال أبي حنيفة وأصحابه إلا قول عطاء في الفأرة؟ دون أن يقسم تقسيم أبي حنيفة، وقول إبراهيم في السنور دون أن يقسم أيضا تقسيم أبي حنيفة، فلم يحصلوا إلا على خلاف الصحابة والتابعين كلهم فلا تعلق بشئ من السنن أو المقاييس