لنفسه الملكية القدسية وقوة لها يقدر بها على التصرف في بدن آخر غير بدنها المعهود مع استمرار تصرفها في الأول وقد قيل في الابدال إنهم إنما سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجساد والأرواح سموه عالم المثال وقالوا هو ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وق يستأنس لذلك بقوله تعالى فتمثل لها بشرا سويا فتكون الروح الواحدة كروح جبريل مثلا في وقت واحد مدبرا لشبحه الأصلي ولهذا الشبح المثالي وينحل بهذا ما قد اشتهر نقله عن بعض الأئمة أنه سأل بعض الأكابر عن جسم جبريل فقال أين كان يذهب جسمه الأول الذي سد الأفق بأجنحته لما تراءى للنبي صلى الله عليه وسلم في صورته الأصلية عند إتيانه إليه في صورة دحية وقد تكلف بعضهم الجواب عنه بأنه يجوز أن يقال كان يندمج بعضه في بعض إلى أن يصغر حجمه فيصير بقدر صورة دحية ثم يعود ينبسط إلى أن يصير كهيئته الأولى وما ذكره الصوفية أحسن وهو أن يكون جسمه الأول بحاله لم يتغير وقد أقام الله تعالى له شبحا آخر وروحه متصرفة فيهما جميعا في وقت واحد هذا كلام القونوي في كتابه الذي سماه الاعلام بالمام الأرواح بعد الموت محل الأجساد وقال بن القيم للروح شأن غير شأن الأبدان فتكون في الرفيق الاعلى وهي متصلة ببدن الميت بحيث إذا سلم المسلم على صاحبها رد عليه السلام وهي في مكانها هناك وهذا جبريل رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان سدا الأفق وكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه وقلوب المخلصين تتسع للايمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات وفي الحديث في رؤية جبريل فرفعت رأسي فإذا جبريل صاف قدميه بين السماء والأرض يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية إلا رأيته كذلك وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن يكون في غيره وهذا غلط محض انتهى ونزول جبريل المشار إليه في هذا الحديث وقع صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة وهي ليلة الاسراء قال بن عبد البر لم يختلف أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة الاسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيآتها قال بن إسحاق حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال وكان نافع كثير الرواية عن بن عباس قال لما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسرى به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس طول الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر ثم نزل في أول الليل فصيح الصلاة جامعة فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس طول في الأوليين وقصر في الثالثة ثم
(١٦)