عدم واحد فيقع الباقي. وهذا كله عند الاطلاق، فإن قال: أردت الثاني أو الثالث قبل، لأن فيه تغليظا عليه، فإن لم يشأ شيئا وقع الثلاث. ولو قال: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء فلان ثلاثا فشاءها لم تطلق، وإن لم يشأ أو شاء واحدة أو ثنتين وقع واحدة. ولو مات زيد وقد علق الطلاق بمشيئته أو جن لم تطلق. (ولو علق) زوج طلاقا (بفعله) كدخوله الدار، (ففعل) المعلق به (ناسيا للتعليق أو) ذاكرا له (مكرها) على الفعل أو طائعا جاهلا، (لم تطلق في الأظهر) لخبر ابن ماجة وغيره: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أي لا يؤاخذهم بذلك، ومقتضاه رفع الحكم فيعم كل حكم إلا ما قام الدليل على استثنائه كقيم المتلفات، ولان المكره على الطلاق لا يقع طلاقه، فكذا المكره على الصفة، ولا فرق بين الحلف بالله تعالى وبالطلاق وإن قال القاضي حسين يقع في الحلف بالطلاق في النسيان. والثاني: تطلق لوجود المعلق به، وليس النسيان ونحوه دافعا للوقوع.
تنبيه: لو حلف لا يفعل كذا عمدا ولا سهوا حنث بفعله سهوا كما في زوائد الروضة، وجزم به الرافعي في الايمان، وقال ابن المنذر: إنه المشهور من مذهب الشافعي، لأنه فعله وقد ضيق على نفسه، بخلاف ما لو حلف لا ينسى فنسي فإنه لم ينس بل نسي. (أو) علق الطلاق (بفعل غيره) وقد قصد بذلك منعه أو حثه، وهو (ممن يبالي بتعليقه) أي يشق عليه حنثه، فلا يخالفه لنحو صداقة أو قرابة أو زوجية فيحرص على إبرار قسمه ولو حياء لمكارم الأخلاق، وليس المراد خشية العقوبة من مخالفته. (وعلم) غيره (به) أي بتعليقه، (فكذلك) لا يقع الطلاق في الأظهر إذا فعله ناسيا أو مكرها أو جاهلا (وإلا) بأن لم يقصد الزوج منعه أو حثه، أو لم يكن يبالي بتعليقه كالسلطان والحجيج، أو كان يبالي به ولم يعلم به، (فيقع) الطلاق بفعله (قطعا) وإن اتفق في بعض الصور نسيان ونحوه، لأن الغرض حينئذ مجرد تعليق الفعل من غير قصد منع أو حث، هذا تقرير المتن، لكن يستثنى منه الصورة الأخيرة وهي فيما إذا قصد فيمن يبالي به إعلامه ولم يعلم به فلا تطلق كما أفهمه كلام أصل الروضة وعزاه السبكي للجمهور.
تنبيه: هذا كله إذا حلف على فعل مستقبل، أما إذا حلف على نفي شئ وقع جاهلا به أو ناسيا له، كما لو حلف أن زيدا ليس في الدار وكان فيها ولم يعلم به، أو علم ونسي، فإن حلف أن الامر كذلك في ظنه أو فيما انتهى إليه علمه، أي لم يعلم خلافه ولم يقصد أن الامر كذلك في الحقيقة، لم يحنث، لأنه إنما حلف على معتقده، وإن قصد أن الامر كذلك في نفس الامر أو أطلق ففي الحنث قولان، رجح منهما ابن الصلاح وغيره الحنث، وصوبه الزركشي، لأنه غير معذور، إذ لا حنث ولا منع بل تحقيق، فكان عليه أن يثبت قبل الحلف بخلافه في التعليق بالمستقبل. ورجح الأسنوي وغيره أخذا من كلام أصل الروضة عدم الحنث، ورجح بعض المتأخرين أنه يحنث فيما إذا قصد أن الامر كذلك في نفس الامر وعدم الحنث عند الاطلاق، وهذا أوجه.
تتمة: لو علق الطلاق بدخول بهيمة أو نحوها كطفل فدخلت مختارة وقع الطلاق، بخلاف ما إذا دخلت مكرهة لم يقع. فإن قيل: هذا يشكل بما مر من وقوع الطلاق فيما إذا لم يعلم المعلق بفعله التعليق وكان ممن لا يبالي بتعليقه أو ممن يبالي به ولم يقصد الزوج إعلامه ودخل مكرها. أجيب بأن الآدمي فعله منسوب إليه وإن أتى به مكرها، ولهذا يضمن به، بخلاف فعل البهيمة فإنها حين الاكراه لم تفعل شيئا. وحكم اليمين فيما ذكر كالطلاق، ولا ينحل بفعل الجاهل والناسي والمكره.
فصل: في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها: إذا (قال) لزوجته (أنت طالق، وأشار بأصبعين أو بثلاث) ولم يقل هكذا، (لم يقع عدد إلا بنية) له عند قوله طالق، لأن الطلاق لا يتعدد إلا بلفظ أو نية ولم يوجد واحد منهما ولا اعتبار بالإشارة هنا.