تطلق المصدقة إذ لم يثبت حيض ضرتها إلا بيمينها، واليمين لا تؤثر في حق غير الحالف كما مر. وتطلق المكذبة فقط بلا يمين في قوله لهما: من حاضت منكما فصاحبتها طالق وادعياه وصدق إحداهما وكذب الأخرى، لثبوت حيض المصدقة بتصديق الزوج.
تنبيه: عطفه: زعمتاه بالفاء يشعر بأنهما لو قالتا فورا حضنا يقبلان، وليس مرادا، بل لا بد من حيض مستأنف، وهو يستدعي زمنا، ويشعر أيضا باستعمال الزعم في القول الصحيح، والأكثر استعماله فيما إذا لم يقم دليل على صحته وأقيم على خلافه، كقوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) *.
فروع: لو قال لزوجتيه: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان، فقيل: لم يتعلق بهما طلاق لاستحالة أن يحيضا حيضة واحدة، والأصح أنهما إذا حاضتا طلقتا بحيضهما لأن الاستحالة نشأت من قوله: حيضة فتلغى ويبقى التعليق بمجرد حيضهما فتطلقان برؤية الدم كما مر. ولو قال: إن ولدتما ولدا فأنتما طالقتان ففيه هذا الخلاف، أما إذا قال: ولدا واحدا أو حيضة واحدة فهو محال فلا يقع به طلاق لأن الواحد نص في الوحدة بخلاف الحيضة والولد فإنه يحتمل الجنس.
ولو قال لأربع نسوة: أيتكن حاضت فصواحبها طوالق فقلن: حضنا، فإن صدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأنه جعل حيض كل منهن صفة لطلاق البواقي ولكل واحدة ثلاث صواحب وقد حضن، وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن كلا منهن لا تصدق في حق غيرها، وإن صدق واحدة طلقت المكذبات طلقة طلقة لأن لكل منهن صاحبة ثبت حيضها، إن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المكذبتين طلقتين لأن لكل منهما صاحبتين ثبت حيضهما، وطلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة لأن لكل واحدة صاحبة وواحدة ثبت حيضها. وإن كذب واحدة فقط طلقت المكذبة ثلاثا لأن لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن، وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما. ولو قال لأربع: إن حضتن فأنتن طوالق فقلن: حضنا فإن صدقهن طلقهن واحدة واحدة، وإن كذبهن لم يطلقهن، وإن كذب واحدة وحلفت طلقت طلقة دون الباقيات، وإن كذب أكثر من واحدة لم تطلق واحدة منهن. ثم أشار إلى المسألة المشهورة بالسريجية، وهي الدورية المنسوبة لابن سريج المذكورة في قوله: (ولو قال: إن أو إذا أو متى) أو نحوه (طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها) طلقة أو أكثر كما قاله صاحب التعجيز، (وقع المنجز فقط) ولا يقع معه المعلق، لأنه لو وقع لم يقع المنجز لزيادته المملوك وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق لأنه مشروط به، فوقوعه محال بخلاف وقوع المنجز، إذ قد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب كما لو علق عتق سالم بعتق غانم في مرض موته ولا يفي ثلث ماله إلا بأحدهما لا يقرع بينهما بل يتعين عتق غانم. وشبه هذا بما لو أقر أخ بابن الميت ثبت النسب دون الإرث، ولان الجمع بين المعلق والمنجز ممتنع، ووقوع أحدهما غير ممتنع، والمنجز أولى بأن يقع لأنه أقوى، من حيث أن المعلق يفتقر إلى المنجز ولا ينعكس. وهذا الوجه قال في المحرر: إنه أولى، وفي الشرحين والروضة فيشبه أن يكون الفتوى به أولى، وصححه المصنف في التنبيه، وإليه ذهب الماوردي، ونقله عن ابن سريج وقال: من نقل عنه غيره فقد وهم، ونقله ابن يونس عن أكثر النقلة (وقيل) وقع (ثلاث) واختاره الإمام ورجحه ابن أبي عصرون وصاحب الاستقصاء. واختلفوا في كيفية وقوع الثلاث على وجهين، أصحهما وهو المذكور في المحرر أنه تقع الطلقة المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة، لأنه إذا وقعت المنجزة حصل شرط وقوع الثلاث لأن الطلاق لا يزيد على ثلاث فيقع من المعلق تمام الثلاث، وعلى هذا يشترط أن يكون مدخولا بها لأن وقوع طلقتين بعد طلقة لا يتصور إلا في المدخول بها. والثاني: يقع الثلاث المعلقة ويجعل كأنه قال متى تلفظت بأنك طالق فأنت طالق قبله ثلاثا. وزيفه الإمام، وعلى هذا سواء المدخول بها وغيرها. (وقيل لا شئ) يقع، لا المنجز ولا المعلق، لأنه لو وقع المنجز لوقع المعلق قبله بحكم التعليق، ولو وقع المعلق لم يقع المنجز، وإذا لم يقع المنجز لم يقع المعلق، وهذا ما صححه