ويمكن أن يقال: لو تبرع به متبرع وأراد تنفيذ الوصية جاز كما لو تبرع بقضاء دينه انتهى. ولبعد هذا لم ينظروا إليه. فإن كان له كلب عند الوصية وفقد ثم تجدد له كلب فعلى الخلاف في أن العبرة، بوقت الوصية أو الموت، والأقرب كما قال الأذرعي الصحة نظرا إلى حالة الموت. (ولو كان له مال وكلاب ووصى بها) كلها (أو ببعضها فالأصح نفوذها) أي الوصية، (وإن كثرت) تلك الكلاب (وقل المال) ولو دانقا، إذ المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، وقليل من المال خير من الكلاب إذ لا قيمة لها. والثاني: بقدر أن لا مال له وتنفذ في ثلث الكلاب. وعلى الأول لو لم يكن له مال وله كلاب وأوصى بها كلها نفذ في ثلثها فقط عددا لا قيمة، إذ لا قيمة لها، أو كلب فقط وأوصى به نفذ في ثلثه، ولو أوصى بكلبين من أربعة نفذ في واحد وثلث. ولو أوصى بثلث ماله لزيد وبالكلاب لعمرو لم يعطى عمرو إلا ثلثها لأن ما يأخذ الورثة من الثلثين هو حظهم بسبب الثلث الذي نفذت فيه الوصية، فلا يجوز أن يحسب عليهم من أخرى في وصية غير المتمول.
تنبيه: غير الكلاب من النجاسة التي يحل الانتفاع بها كالكلاب في نفوذ الوصية وإن كثر وقل المال كما صرح به ابن المقري. ولو كان له أجناس من كلاب وخمر محترمة وشحم ميتة ووصى بواحد منها اعتبر الثلث بفرض القيمة لا بالعدد ولا بالمنفعة، لأنه لا تناسب بين الرؤوس ولا المنفعة. (ولو أوصى بطبل وله طبل لهو) كالكوبة ضيق الوسط واسع الطرفين، (وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب) وهو ما يضرب به للتهويل، (و) طبل حجيج وهو ما يضرب للاعلام بنزول وارتحال، وطبل باز، (حملت) أي الوصية (على) الطبل (الثاني) ليصح، إذ الظاهر أنه يقصد الثواب وهو فيما تصح الوصية به.
فإن قيل: لو أوصى بعود وله عود لهو لا يصح لمباح وعود مباح فإن الوصية تبطل ولم تحمل على المباح، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن مطلق العود ينصرف في الاستعمال لعود اللهو، والطبل يقع على الجميع، فإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها لغت (ولو أوصى بطبل اللهو لغت) لأنه معصية، (إلا أن صلح لحرب أو حجيج) ونحوهما كطبل البازي أو منفعة أخرى مباحة لامكان تصحيح الوصية فيما يتناوله لفظها، وسواء أصلح على هيئته أم بعد تغير يبقى معه اسم الطبل فإن لم يصلح إلا بزوال اسم الطبل لغت.
تنبيه: ما ذكره من الاستثناء محله عند الاطلاق، فإن قال الموصي: أردت به الانتفاع على الوجه الذي عمل له لم يصح كما جزم به في الوافي واستظهره الزركشي. ولو أوصى بقوس حمل على القوس الذي لرمي الأسهم من نبل وهي السهام الصغار، ونشاب وهي السهام الفارسية، وحسبان وهي سهام صغار ترمى بمجرى في القوس دون قوس البندق والندف. ولو قال من قسي ولم يكن له قوس سهام بل قوس بندق أو ندف حمل عليه، فإن كانا له حمل على قوس البندق لأنه أقرب إلى الفهم، فإن عين قوسا تعين، ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا تخير الوارث بين الجميع كما صوبه المصنف، ولا يتناول القوس الوتر لأنها تسمى قوسا بدونه، بخلاف السهم فإنه يتناول الريش والنصل لثبوتهما فيه.
فصل: في الوصية بزائد على الثلث وفي حكم إجماع تبرعات مخصوصة: (ينبغي) أي يطلب منه على سبيل الندب (أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله) لخبر الصحيحين: أن سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله (ص) يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من المرض ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير - أو كبير