كتاب الصداق هو بفتح الصاد وكسرها: ما وجب بنكاح أو وطئ أو تفويت بضع قهرا كرضاع ورجوع شهود، سمي بذلك لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجاب المهر. ويجمع جمع قلة على أصدقة، وجمع كثرة على صدق، وله ثمانية أسماء مجموعة في قول الشاعر:
صداق ومهر نحلة وفريضة * حباء وأجر ثم عقر علائق وزاد بعضهم الطول في بيت فقال:
مهر صداق نحلة وفريضة * طول حباء عقر أجر علائق لقوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * وزاد بعضهم عاشرا وهو النكاح، لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) *. وقيل: الصداق ما وجب بتسمية في العقد، والمهر ما وجب بغير ذلك. والأصل في الباب قبل الاجماع قوله تعالى:
* (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * أي عطية من الله مبتدأة، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل: الأولياء، لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذونه ويسمونه نحلة، لأن المرأة تستمتع بالزوج كاستمتاعه بها أو أكثر فكأنها تأخذ الصداق من غير مقابل. وقوله تعالى: * (وآتوهن أجورهن) *. وقوله (ص) لمريد التزويج. التمس ولو خاتما من حديد رواه الشيخان. (نسن تسميته في العقد) لأنه (ص) لم يخل نكاحا عنه، ولأنه أدفع للخصومة، ولئلا يشبه نكاح الواهبة نفسها له (ص). ويؤخذ من هنا أن السيد إذا زوج عبده أمته أنه يستحب ذكر المهر، وهو ما في الروضة تبعا لبعض نسخ الشرح الكبير إذ لا ضرر في ذلك، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. ويسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم خروجا من خلاف أبي حنيفة، وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بناته (ص) وزوجاته، وأما إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكراما له (ص). ويسن أن لا يدخل بها حتى يدفع إليها شيئا من الصداق خروجا من خلاف من أوجبه. (ويجوز إخلاؤه منه) بالاجماع لكن مع الكراهة كما صرح به الماوردي والمتولي وغيرهما.
تنبيه: كان الأولى أن يقول: ويجوز إخلاؤه منها. أي التسمية، فإن النكاح لا يخلو من المهر إلا في مسائل مستثناة قد مر الكلام عليها، وإنما تخلو منه التسمية، ولهذا عبر في الروضة بقوله: ويجوز إخلاؤه عن تسمية لمهر.
وقد تجب التسمية لعارض في صور: الأولى: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف أو مملوكة لغير جائز التصرف. الثانية:
إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله. الثالثة: إذا كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق في هذه الصورة على أقل من مهر الزوجة وفيما عداها على أكثر منه، فيتعين تسميته بما وقع الاتفاق عليه. ولا يجوز إخلاؤه منه. (و) لا تتقدر صحة الصداق بشئ، لقوله تعالى: * (أن تبتغوا بأموالكم) * فلم يقدره، وقوله (ص): التمس ولو خاتما من حديد. بل ضابطه كل (ما صح) كونه (مبيعا) عوضا أو معوضا عينا أو دينا أو منفعة كثيرا أو قليلا ما لم ينته في القلة إلى حد لا يتمول (صح) كونه (صداقا ومالا)، فلا. فإن عقد بما لا يتمول ولا يقابل بمتمول فسدت التسمية ورجع لمهر المثل، ومثل له الصيمري بالنواة والحصاة وقشر البصلة وقمع الباذنجانة فإن قيل: يستثنى من الضابط ما لو جعل رقبة العبد صداقا لزوجته الحرة، وما لو جعل أم الولد صداقا عن الولد، وما لو جعل أحد أبوي الصغيرة صداقا لها، فإنه يصح ببيع هذه المذكورات ولا يصح جعلها صداقا، بل يبطل النكاح في الصورة الأولى لأنه قارنه ما يضاده، وفي الباقي يصح بمهر المثل. أجيب بصحة ما جعلها صداقا في الجملة، والغرض بيان ما يصح