الثلث فيعطى متفرقا لاحتمال أن يستحقه الوارث.
فصل: في بيان المرض المخوف والملحق به المقتضيين للحجز في التبرعات الزائدة على الثلث. وقد شرع في القسم الأول فقال: (إذا ظننا المرض مخوفا) أي يخاف منه الموت لا نادرا وإن لم يكن غالبا كما نقلاه عن الإمام وأقراه وإن نازع فيه ابن الرفعة، (لم ينفذ) بفتح الياء وسكون النون وضم الفاء، ويجوز ضم الياء وفتح النون وتشديد الفاء، (تبرع زاد على الثلث) بل هو موقوف لأنه محجور عليه في الزيادة.
تنبيه: استشكل إطلاق المصنف عدم النفوذ بأنه إن كان بالنظر لباطن الامر فلا فرق بأن يظنه مخوفا أو لا، إذ المناط حينئذ لمرض المخوف لا ظنا. وإن كان بالنظر لظاهر الامر فهو مخالف لقول الأكثرين حيث قالوا: لو أعتق أمة في مرض موته جاز لوليها أن يزوجها لأنها حرة في الظاهر، ولا اعتبار باحتمال ظهور دين، فإن تحققنا نفوذ العتق استمرت الصحة، وإلا فإن أجاز الوارث وقلنا هي تنفيذ، فكما لو خرجت من الثلث أو رد وأجاز وقلنا هي عطية مبتدأة بان فساد. وقال ابن الحداد: ليس لوليها أن يزوجها فكلامهم هذا إنما يأتي على مقالة ابن الحداد قال الزركشي:
وينبغي حمل الوقف في كلامهم على وقف الاستمرار واللزوم لينتظم الكلامان اه. وهو حمل صحيح. (فإن برأ) بفتح الراء وكسرها: أي خلص من المرض. (نفذ) بفتح النون، التبرع المذكور: أي استمر نفوذه لتبين عدم الحجر. فإن مات به قال المصنف تبعا للبغوي أو بهدم أو غرق أو قتل أو ترد: لم ينفذ الزائد على الثلث، هذا كله إذا لم ينته إلى حالة يقطع فيها بموته، فإن انتهى إلى ذلك بأن شخص بصره - بفتح الشين والخاء: أي فتح عينيه بغير تحريك جفن - وبلغت روحه الحلقوم في النزع. أو ذبح أو شق بطنه وخرجت أمعاؤه أو غرق فغمره الماء وهو لا يحسن السباحة فلا عبرة بكلامه في وصية ولا في غيرها، فهو كالميت على تفصيل يأتي في الجنايات. / (وإن ظنناه) أي المرض (غير مخوف فمات) منه، (فإن حمل) الموت من هذا المرض (على) موت (الفجأة) بضم الفاء وفتح الجيم ممدودا وبفتح الفاء وسكون الجيم مقصورا، كأن مات وبه وجع ضرس وعين، (نفذ) التبرع (وإلا) أي وإن لم يحمل على الفجأة كإسهال يوم أو يومين، (فمخوف) أي تبينا باتصاله بالموت كان مخوفا، لا أن إسهال يوم أو يومين مخوف، فلا يتنافى ما يأتي. فإن قيل: المرض إن اتصل بالموت كان مخوفا وإلا فلا فائدة لنا في معرفته. أجيب بأنه لو قتل أو غرق مثلا في هذا المرض إن حكمنا بأنه مخوف لم ينفذ كما مر وإلا نفذ.
(ولو شككنا في كونه) أي المرض (مخوفا لم يثبت إلا ب) - قول (طبيبين) عالمين بالطب (حرين عدلين) أي مقبولي الشهادة، لأنه تعلق به حق آدمي من الموصى له والوارث فاشترط فيه شروط الشهادة كغيرها. وقد علم من قوله: طبيبين كونهما عالمين بالطب، ومن قوله: عدلين كونهما مسلمين مكلفين، فإنهما من شروط العدالة، فلا يثبت بنسوة ولا برجل وامرأتين، لأنها شهادة على غير المال وإن كان المقصود المال. نعم إن كان المرض علة باطنة بامرأة لا يطلع عليها الرجال غالبا ثبت بمن ذكر.
تنبيه: أشعر كلام المصنف بقبول شهادتهما في كون المرض غير مخوف، وهو كذلك كما صرح به الرافعي خلافا للمتولي، وإن علل ذلك بأنها شهادة نفي، لأنه نفي محصور. ولو قال الطبيبان: هذا المرض سبب ظاهر يتولد منه مخوف فمخوف، أو يفضى إلى مخوف نادرا فلا، ولو اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت المتبرع فالقول قول المتبرع عليه، لأن الأصل عدم الخوف وعلى الوارث البينة. ولم يعرف المصنف المرض المخوف استغناء بذكر أمثلة منه ذكرها بقوله: (ومن المخوف قولنج) بضم القاف وفتح اللام وكسرها، قال الرافعي: وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء فلا ينزل ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك ويقال فيه قولون، وينفعه أمور