مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٩٢
بلا عذر (بعد طلب المالك) لها (مضمن) كخيانته. أما لو جحدها بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطلب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم أو جحدها بلا طلب من مالكها، وإن كان الجحد بحضرته كقوله ابتداء: لا وديعة عندي لاحد فإنه لا يضمن لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ولو لم يطلبها المالك، ولكن قال: لي عندك وديعة فأنكر لم يضمن أيضا على الأصح لأنه قد يكون في الاخفاء غرض صحيح، ولو جحدها بعد الطلب ثم قال: كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك.
فائدة: سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام، فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين، ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبني بها مسجدا، ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، وإن جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم.
خاتمة: لو تنازعا الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال: هي لاحدكما ونسيته وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب، والغاصب إذا قال: المغصوب لاحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك، فإن نكل حلف الوارث وأخذها، وإن قال الوديع: حبستها عندي لأنظر هل أوصى بها مالكها أم لا فهو متعد ضامن، ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به وتلفت بتقصير ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة، كذا قالاه. فإن قيل، هذا الأوجه له فإن الورقة المكتوبة متقومة فإذا تلفت لزمه قيمتها ولا نظر لأجرة الكتابة، ولو صح هذا للزم أنه لو أتلف على غيره ثوبا مطرزا غرم قيمته وأجرة التطريز، وهذا لا يقوله أحد، والغاصب إنما يغرم القيمة فقط كما أجاب به الماوردي وغيره، فالصواب لزومها فقط. أجيب بأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا، ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها، وعلى هذا لا فرق بين الكتاب الكامل وغيره.
كتاب قسم الفئ والغنيمة هذا شطر بيت موزون، والقسم بفتح القاف مصدر قسمت الشئ، والفئ مصدر فاء يفئ إذا رجع، ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا من استعمال المصدر في اسم الفاعل لأنه راجع، والمفعول لأنه مردود. وقال القفال في المحاسن: سمي الفئ بذلك لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للاستعانة على طاعته، فمن خالفه فقد عصاه وسبيله الرد إلى من يطيعه، وهذا المعنى يشمل الغنيمة أيضا، لذلك قيل اسم الفئ يشملها دون العكس، ومن ذلك قولهم يسن وسم نعم الفئ. وقيل: يقع اسم كان منهما على الآخر، فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين، والمشهور تغايرهما كما ذكره المصنف. والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح، استعملت شرعا في ربح من الكفار خاص، وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة. والأصل في الباب قوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * وقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * الآيتين، وفي حديث. وفد عبد القيس وقد فسر لهم رسول الله (ص) الايمان وأن تعطوا من المغنم الخمس، متفق عليه. ولم تحل الغنائم لاحد قبل الاسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه فتأتي نار من السماء تأخذه، ثم أحلت للنبي (ص) فكانت في صدر الاسلام له خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه (ص) من لم يشهد بدرا، ثم نسخ ذلك واستقر الامر على ما يأتي. وذكر صاحب التنبيه وغيره هذا الكتاب بعد كتاب الجهاد، وهو أنسب، وذكره المصنف هنا اقتداء بالمزني وغيره، فقال: (الفئ: مال) أو نحوه ككلب ينتفع به، (حصل) لنا (من كفار) مما هو لهم (بلا قتال
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460