بلا عذر (بعد طلب المالك) لها (مضمن) كخيانته. أما لو جحدها بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطلب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم أو جحدها بلا طلب من مالكها، وإن كان الجحد بحضرته كقوله ابتداء: لا وديعة عندي لاحد فإنه لا يضمن لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ولو لم يطلبها المالك، ولكن قال: لي عندك وديعة فأنكر لم يضمن أيضا على الأصح لأنه قد يكون في الاخفاء غرض صحيح، ولو جحدها بعد الطلب ثم قال: كنت غلطت أو نسيت لم يبرأ إلا أن يصدقه المالك.
فائدة: سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعة مضت عليها مدة طويلة ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام، فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين، ويقدم أهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبني بها مسجدا، ولا يصرفها إلا فيما يجب على الإمام العادل صرفها فيه، وإن جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم.
خاتمة: لو تنازعا الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال: هي لاحدكما ونسيته وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب، والغاصب إذا قال: المغصوب لاحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك، فإن نكل حلف الوارث وأخذها، وإن قال الوديع: حبستها عندي لأنظر هل أوصى بها مالكها أم لا فهو متعد ضامن، ولو أودعه ورقة مكتوبا فيها الحق المقر به وتلفت بتقصير ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة، كذا قالاه. فإن قيل، هذا الأوجه له فإن الورقة المكتوبة متقومة فإذا تلفت لزمه قيمتها ولا نظر لأجرة الكتابة، ولو صح هذا للزم أنه لو أتلف على غيره ثوبا مطرزا غرم قيمته وأجرة التطريز، وهذا لا يقوله أحد، والغاصب إنما يغرم القيمة فقط كما أجاب به الماوردي وغيره، فالصواب لزومها فقط. أجيب بأن التطريز يزيد قيمة الثوب غالبا، ولا كذلك الكتابة فإنها قد تنقصها، وعلى هذا لا فرق بين الكتاب الكامل وغيره.
كتاب قسم الفئ والغنيمة هذا شطر بيت موزون، والقسم بفتح القاف مصدر قسمت الشئ، والفئ مصدر فاء يفئ إذا رجع، ثم استعمل في المال الراجع من الكفار إلينا من استعمال المصدر في اسم الفاعل لأنه راجع، والمفعول لأنه مردود. وقال القفال في المحاسن: سمي الفئ بذلك لأن الله تعالى خلق الدنيا وما فيها للاستعانة على طاعته، فمن خالفه فقد عصاه وسبيله الرد إلى من يطيعه، وهذا المعنى يشمل الغنيمة أيضا، لذلك قيل اسم الفئ يشملها دون العكس، ومن ذلك قولهم يسن وسم نعم الفئ. وقيل: يقع اسم كان منهما على الآخر، فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين، والمشهور تغايرهما كما ذكره المصنف. والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة من الغنم وهو الربح، استعملت شرعا في ربح من الكفار خاص، وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة. والأصل في الباب قوله تعالى: * (ما أفاء الله على رسوله) * وقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * الآيتين، وفي حديث. وفد عبد القيس وقد فسر لهم رسول الله (ص) الايمان وأن تعطوا من المغنم الخمس، متفق عليه. ولم تحل الغنائم لاحد قبل الاسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه فتأتي نار من السماء تأخذه، ثم أحلت للنبي (ص) فكانت في صدر الاسلام له خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه (ص) من لم يشهد بدرا، ثم نسخ ذلك واستقر الامر على ما يأتي. وذكر صاحب التنبيه وغيره هذا الكتاب بعد كتاب الجهاد، وهو أنسب، وذكره المصنف هنا اقتداء بالمزني وغيره، فقال: (الفئ: مال) أو نحوه ككلب ينتفع به، (حصل) لنا (من كفار) مما هو لهم (بلا قتال