ولا شهود وترافعوا إلينا قررنا النكاح وحكمنا بالنفقة، وإن نكح المجوسي محرما له ولم يترافعا إلينا لم نعترض عليهما، لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا من حال المجوس أنهم ينكحون المحارم ولم يعترضوهم. فإن ترافعا إلينا في النفقة أبطلنا نكاحهما ولا نفقة، لأنهما بالترافع أظهر ما يخالف الاسلام، فأشبه ما لو أظهر الذمي الخمر. ولو ترافع إلينا كافر تحته أختان وطلبوا فرض النفقة أعرضنا عنهم ما لم يرضوا بحكمنا ولا نفرق بينهم، فإن رضوا به فرقنا بينهم بأن نأمره باختيار إحداهما. فإن قيل: قد مر في نكاح المحرم أنا نفرق بينهم وإن لم يرضوا بحكمنا فهلا كان هنا في الأختين كذلك أجيب بأن المحرم أشد حرمة، لأن منع نكاحها لذاتها، وإنما منع في الأختين للهيئة الاجتماعية. ويزوج حاكم المسلمين بشهود منهم ذميا بكتابية لا ولي لها خاص بالتماسهم ذلك.
فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي: لو (أسلم) الكافر الحر المكلف (وتحته أكثر من أربع) من الزوجات الحرائر، (وأسلمن معه) على أي دين يكن قبل دخول أو بعده، (أو) تخلفن وهن مدخول بهن وكن غير كتابيات وأسلمن بعده (في العدة) وهي من حين إسلامه، ومثله لو أسلمن أولا ثم أسلم هو في العدة، (أو) لم يسلمن أصلا بل (كن كتابيات) يحل له ابتداء نكاحهن، (لزمه) حال كونه أهلا للاختيار ولو سكران (اختيار أربع) منهن ولو بعد موتهن، ولا نظر إلى تهمة الإرث، ويرث من الميتات المختارات غير الكتابيات. (ويندفع) بعد اختيار الأربع نكاح (من زاد) لأن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي (ص) أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه الترمذي وابن حبان وصححه ابن حبان والحاكم. وسواء نكحهن معا أم مرتبا، اختار الأوائل أو الأواخر، ووجه ذلك كما قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال، فإنه (ص) لم يستفصل عن ذلك، ولولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق ذلك. وحمل الخصم له على الأوائل بعيد يرده ما رواه الشافعي والبيهقي عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي (ص) فقال: فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها. وحمله أيضا على تجديد العقد أبعد لمخالفته ظاهر اللفظ، فإن الامساك صريح في الاستمرار.
فائدة: قال ابن الجوزي: أسلم ستة من ثقيف كل على عشر نسوة مسعود بن معتب ومسعود بن عامر ومسعود بن عمرو وعروة بن مسعود وسفيان بن عبد الله وغيلان بن سلمة.
تنبيه: تعبير المصنف بلزوم اختيار أربع يوهم إيجاب العدد، وليس مرادا، بل المراد أن أصل الاختيار واجب لئلا يستديم ما حظره الشرع. وأما إمساك أربع فجائز لا أنه يلزمه ذلك كما قاله جمع من شراح الكتاب منهم ابن شهبة وابن قاسم والدمياطي، وقد سلم في المحرر والشرح والروضة من ذلك حيث قالا: اختار أربعا، لكن ظاهر الحديث اللزوم والقائل بعدم اللزوم يحمل الامر في الحديث على الإباحة كما سيأتي عن السبكي والأذرعي. وكلام المصنف يوهم أن دفع المفارقات من حين الاختيار، لكن الصحيح من حين الاسلام، وكذا العدة وهو اندفاع بينونة كما صرح به ابن الرفعة. أما العبد فإنه يختار ثنتين كيف شاء حرتين أو لا. وأما غير المكلف كصبي ومجنون عقد له وليه النكاح على أكثر من أربع ثم أسلم تبعا لأبويه فلا اختيار له لعدم أهليته، ولا للولي لأنه اختيار شهوة فينتظر كماله ليختار، ونفقتهن من مال الصبي أو المجنون لحبسهن لأجله. ولو نكحت في الكفر زوجين وأسلموا فإن نكحتهما معا أبطلنا النكاح، وإن اعتقدوا جوازه أو مرتبا فهي للأول، فإن مات ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون التزويج بزوجين قررناه وإلا فلا، ولو أسلما دونها أو الأول وحده فهي للأول إن كانت كتابية. (وإن أسلم) منهن (معه قبل دخول أو) بعده (في العدة أربع فقط) أو أقل، (تعين) للنكاح واندفع نكاح من زاد لتأخر إسلامهن عن إسلامه قبل الدخول، وعن العدة بعده. ولو أسلم أربع ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج اختار أربعا