بينهن فيه جزما، فتجعل الواهبة أو المسقطة كالمعدومة ويقسم للباقيات. (أو) وهبت (له) فقط (فله التخصيص) لواحدة فأكثر بنوبة الواهبة، لأنها جعلت الحق له فيضعه حيث شاء. ويأتي في الاتصال والانفصال ما سبق. (وقيل:
يسوي) بينهن ولا يخصص لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد فتجعل الواهبة كالمعدومة. ولو وهبت له ولبعض الزوجات أو له وللجميع، لم أر من تعرض لهذه المسألة، وقد سألت شيخي عنها فأجاب بأن حقها يقسم على الرؤوس كما لو وهب شخص عينا لجماعة والتقدم بالقرعة.
تنبيه: لا يجوز للواهبة أن تأخذ على المسامحة بحقها عوضا لا من الزوج ولا من الضرائر، فإن أخذت لزمها رده واستحقت القضاء لأن العوض لم يسلم لها. وإنما لم يجز أخذ العوض عن هذا الحق لأنه ليس بعين ولا منفعة لأن مقامه عندها ليس بمنفعة ملكتها عليه. وقد استنبط السبكي من هذه المسألة ومن خلع الأجنبي جواز النزول عن الوظائف، والذي استقر عليه رأيه أن أخذ العوض فيه جائز وأخذه حلال لاسقاط الحق لا لتعلق حق المنزول له، بل يبقى الامر في ذلك إلى ناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا، وبسط ذلك. وللواهبة الرجوع متى شاءت، فإذا رجعت خرج فورا، ولا يرجع في الماضي قبل العلم بالرجوع، فإن بات الزوج في نوبة واحدة عند غيرها ثم ادعى أنها وهبت حقها وأنكرت لم يقبل قوله إلا بشهادة رجلين.
فصل: في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين، وهو إما أن يكون منها أو منه أو منهما. وقد بدأ بما إذا كان التعدي منها بقوله: فلو (ظهرت أمارات نشوزها) فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة وجه، أو قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، (وعظها) ندبا، لقوله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) * كأن يقول لها: اتق الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة. (بلا هجر) ولا ضرب، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، فلعلها تبدي عذرا أو تتوب عما وقع منها بغير عذر، وحسن أن يذكر لها ما في الصحيحين من قوله (ص): إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح. وفي الترمذي عن أم سلمة: قال رسول الله (ص): أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ويستحب أن يبرها ويستميل قلبها بشئ، وفي الصحيحين: المرأة ضلع أعوج، إن أقمتها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها على عوج فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه كغيره تحريم الهجر في المضجع في هذه الحالة، قال ابن النقيب تبعا للسبكي: وهو ظاهر إذا فوت حقا لها من قسم أو غيره وإلا فيظهر عدم التحريم لأن الاضطجاع معها حقه فله تركه. (فإن تحقق نشوز) منها (ولم يتكرر) ذلك منها (وعظ) - ها (وهجر) ها (في المضجع) بكسر الجيم: أي يجوز له ذلك لظاهر الآية، ولان في الهجر أثرا ظاهرا في تأديب النساء. والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه، وقيل: هو ترك الوطئ، وقيل:
هو أن يقول لها هجرا، أي إغلاظا في القول. وقيل: هو أن يربطها بالهجار، وهو حبل يربط فيه البعير الشارد.
واحترز المصنف بالهجر في المضجع عن الهجران في الكلام فلا يجوز الهجر به لا للزوجة ولا لغيرها فوق ثلاثة أيام، ويجوز فيها للحديث الصحيح: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. وفي سنن أبي داود: فمن هجره فوق ثلاثة فمات دخل النار وحمل الأذرعي تبعا لغيره التحريم على ما إذا قصد بهجرها ردها لحظ نفسه، فإن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها فلا تحريم، قال: ولعل هذا مرادهم، إذ النشوز حينئذ عذر شرعي اه. وهذا مأخوذ من قولهم: يجوز هجر المبتدع والفاسق ونحوهما، ومن رجا بهجره صلاح دين الهاجر أو المهجور، وعليه يحمل هجره (ص) كعب بن مالك وصاحبيه، وأول أسمائهم هم حروف مكة، ونهيه (ص) الصحابة عن كلامهم،