فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه رواه أبو داود. وتسن التسمية عند الدفع إلى المتصدق عليه لأنها عبادة. قال العلماء: ولا يطمع المتصدق في الدعاء من المتصدق عليه لئلا ينقص أجر الصدقة، فإن دعا له استحب أن يرد عليه مثلها لتسلم له صدقته. ويسن التصدق عقب كل معصية، قاله الجرجاني، ومنه التصدق بدينار أو نصفه في وطئ الحائض. ويسن لمن لبس ثوبا جديدا أن يتصدق بالقديم، ففي الحديث: من لبس ثوبا جديدا ثم عمد إلى ثوبه الذي كان عليه فتصدق به لم يزل في حفظ الله حيا وميتا، وليس هذا من التصدق بالردئ بل مما يحب، وهذا كما جرت به العادة من التصدق بالفلوس دون الذهب والفضة، وهل قبول الزكاة للمحتاج أفضل من قبول صدقة التطوع أو لا؟ وجهان، رجح الأول جماعة منهم ابن المقري لأنه أعانه على واجب ولان الزكاة لا منة فيها، ورجح الثاني آخرون منهم الجنيد والخواص لئلا يضيق على الأصناف ولئلا يخل بشرط من شروط الاخذ، ولم يرجح في الروضة واحدا منهما. ثم قال عقب ذلك: قال الغزالي: والصواب أنه يختلف بالاشخاص، فإن عرض له شبهة في استحقاقه لم يأخذ الزكاة وإن قطع به، فإن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا منه لا يتصدق فليأخذها، فإن أخراج الزكاة لا بد منه، وإن كان لا بد من إخراجها ولم يضيق بالزكاة تخير، وأخذها أشد في كسر النفس اه. أي فهو حينئذ أفضل، وهذا هو الظاهر. وأخذ الصدقة في الملا وتركه في الخلوة أفضل لما في ذلك من كسر النفس. ويسن للراغب في الخير أن لا يخلو يوما من الأيام من الصدقة بشئ وإن قل لخبر البخاري: ما من يوم يصبح العباد إلا وملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ولخبر الحاكم في صحيحه: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، أو قال: حتى يحكم بين الناس.
كتاب النكاح هو لغة: الضم والجمع، ومنه تناكحت الأشجار: إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض. وشرعا: عقد يتضمن إباحة وطئ بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمة. والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطئ جميعا، لكنهم إذا قالوا: نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا: نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة. قال الثعلبي: وقال ابن القطان: له ألف اسم، وقال علي بن جعفر اللغوي: له ألف وأربعون اسما. وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وسيأتي ما يدل لذلك. ولأصحابنا في موضوعه الشرعي ثلاثة أوجه: أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطئ كما جاء به في القرآن والاخبار، ولا يرد على ذلك قوله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) * لأن المراد العقد، والوطئ مستفاد من خبر الصحيحين: حتى تذوقي عسيلته. والثاني: أنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد، وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة، والأول أقرب إلى الشرع. قال الزمخشري، وهو من علماء الحنفية: لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد لأن كونه بمعنى الوطئ من باب التصريح، ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة. وأورد عليه قوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * فالمراد به الوطئ كما قاله في الكفاية في باب الرجعة. وقال الراغب: يستحيل أن يكون النكاح حقيقة في الجماع ويكنى به عن العقد، لأن الجماع يستقبح من ذكره كما يستقبح من فعله، والعقد لا يستقبح أي فلا يكنى بالأقبح عن غيرة، ولأنه يصح نفيه عن الوطئ إذ يقال في الزنا سفاح لا نكاح. ويقال في السرية ليست مزوجة ولا منكوحة. وصحة النفي دليل المجاز والثالث حقيقة فيهما بالاشتراك كالعين، وحمل على هذا النهي في قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * عن العقد وعن الوطئ بملك اليمين معا على استعمال المشترك في معنييه. وفائدة الخلاف بيننا وبين الحنفية تظهر فيمن زنى بامرأة، فإنها تحرم على والده وولده عندهم لا عندنا، قاله الماوردي والروياني.
وفيما لو علق الطلاق على النكاح فإنه يحمل على العقد عندنا لا الوطئ إلا إن نوى، حكاه الرافعي في آخر الطلاق عن