كتاب الطلاق هو لغة حل القيد والاطلاق، ومنه ناقة طالق: أي مرسلة بلا قيد. وشرعا: حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، وعرفه المصنف في تهذيبه بأنه: تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح. والأصل فيه قبل الاجماع الكتاب كقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * وقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) *، والسنة كقوله (ص): ليس شئ من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصححه، وقوله (ص): أتاني جبريل فقال لي راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. وأركانه خمسة: مطلق وصيغة ومحل وولاية وقصد، وقد شرع في شرط الركن الأول وهو المطلق، فقال: (يشترط لنفوذه) أي الطلاق من المطلق منجزا كان أو معلقا، (التكليف) أي أن يكون مكلفا، فيصح من السفيه والمريض، أي ولو كان هازلا، ولا يصح من غير مكلف كصبي ومجنون ومغمى عليه ونائم ولا تنجيزا ولا تعليقا وإن وجدت الصفة بعد الأهلية في المعلق لفساد عبارته، ولخبر: رفع القلم عن ثلاث نعم لو تولد جنون من سكر تعدى فيه نفذ طلاقه في جنونه، وقد يتصور طلاق المجنون بغير سكر تعدى فيه والمغمى عليه والنائم بما إذا علق الطلاق في حال التكليف على صفة فوجدت وهو غير مكلف. فإن قيل: أهمل المصنف شرطين آخرين: أحدهما كونه من زوج أو وكيله فلا يقع طلاق غيره إلا فيما سيأتي في المولى يطلق عليه الحاكم ثانيهما: الاختيار ليخرج المكره بغير حق. أجيب عن إهماله الأول بأنه أحاله على ما صرح به في الخلع وعلى ما سيذكره من أنه لا يصح تعليقه قبل ملك النكاح، وعن الثاني بأنه أهمله لذكره حكم المكره بعد ذلك قال المصنف زيادة على الرافعي وغيره: (إلا السكران) المتعدي بسكره كأن شرب خمرا أو دواء مجننا بلا حاجة فيصح منه، ولو كان السكر طافحا عليه بحيث يسقط كالمغمى عليه مع أنه غير مكلف كما نقله في الروضة عن أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول تغليظا عليه لعصيانه بإزالة عقله فجعل كأنه لم يزل. قال: ولكن مراد أهل الأصول أنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. قال الغزالي في المستصفى: ولان صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، وأجاب عن قوله تعالى: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران بأن المراد به من هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله، ولذا يصح منه سائر أفعاله وأقواله مما له معا وعليه كالبيع والإجارة أو منفردين كالاسلام والطلاق، ويصح طلاقه بالكناية خلافا لابن الرفعة. وشمل ذلك الكافر وإن لم يعتقد حرمة شرب الخمر لأنه مخاطب بفروع الشريعة. وخرج بالمتعدي غيره كمن أكره على شرب مسكر أو لم يعلم أنه مسكر أو شرب دواء مجننا لحاجة فلا يقع طلاقه لعدم تعديه. والرجوع في معرفة السكران إلى العرف، وقيل: أدنى السكر أن يختل كلامه المنظوم وينكشف سره المكتوم كما عبر به الشافعي رضي الله تعالى عنه وإن لم يجعله أدنى، قال ابن المقري: ولا يحتاج على الوجه الصحيح إلى معرفة السكر لأنه إما صاح وإما سكران زائل العقل، وحكمه حكم الصاحي سواء، بل يحتاج إلى معرفة السكر في غير المتعدى به، وفيما إذا قال إن سكرت فأنت طالق اه. أي فيحد حينئذ بما ذكر، وهو حسن. ولو قال السكران بعدما طلق: إنما شربت الخمر مكرها وتم قرينة، أو: لم أعلم أن ما شربته مسكر صدق بيمينه، نعم من يعرف حكم الاكراه فإنه يستفسر كما قاله بعض المتأخرين: أما إذا شرب أو أكل ما يزيل العقل لحاجة كالتداوي فإنه كالمجنون كما صرح به في المهذب والوجيز وأصل الروضة. ثم شرع في الركن الثاني وهو الصيغة، فقال: (ويقع) الطلاق من مسلم أو كافر (بصريحه) وهو ما يحتمل ظاهره غير الطلاق، (بلا نية) لايقاع الطلاق،
(٢٧٩)