ممكن. (قلت: ذا القول أظهر، والله أعلم) وعليه هل المراد نساء زمانها أو النساء مطلقا؟ قال الأذرعي: إيراد القاضي وجماعة يقتضي الأول، وكلام كثيرين أو الأكثرين يقتضي الثاني انتهى. وهذا الثاني هو الظاهر. واختلفوا في سن اليأس على ستة أقوال، أشهرها ما تقدم وهو اثنان وستون سنة، وقيل: ستون، وقيل: خمسون، وقيل: سبعون، وقيل: خمسة وثمانون، وقيل: تسعون وقيل: غير العربية لا تحيض بعد الخمسين، ولا تحيض بعد الستين إلا قرشية.
ولو رأت امرأة الدم بعد سن اليأس صار أعلى اليأس آخر ما رأته فيه، ويعتبر بعد ذلك بها غيرها. فإن قيل: هذا مخالف لما قالوه في سن الحيض من أنه لا عبرة برؤية دم قبله مع أن كلا ثبت بالاستقراء أجيب بأن الاستقراء في السن استقراء تام لتيسره، ولهذا لم يقع فيه خلاف فلم يعول على خلافه، بخلافه هنا، ولهذا كثر الخلاف فيه.
فصل: في العدة بوضع الحمل: (عدة الحامل) من حرة وأمة عن فراق حي أو ميت بطلاق رجعي أو بائن، (بوضعه) أي الحمل لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * فهو مخصص لقوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *، ولان المعتبر من العدة براءة الرحم، وهي حاصلة بالوضع. (بشرط) إمكان (نسبته إلى ذي) أي صاحب (العدة) زوجا كان أو غيره، (ولو احتمالا كمنفي بلعان) لأنه لا ينافي إمكان كونه منه، ولهذا لو استلحقه لحقه. فإن لم يمكن نسبته إليه لم تنقض بوضعه، كما إذا مات صبي لا يتصور منه الانزال، أو ممسوح عن زوجة حامل فلا تعتد بوضع الحمل، وكذا كل من أتت زوجته الحامل بولد لا يمكن كونه منه كأن وضعته لدون ستة أشهر من النكاح أو لأكثر وكان بين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة، أو لفوق أربع سنين من الفرقة لم تنقض عدته بوضعه، لكن لو ادعت في الأخيرة أنه راجعها، أو جدد نكاحها أو وطئها بشبهة وأمكن، فهو وإن انتفى عنه تنقضي به عدته.
تنبيه: يجوز نكاح ووطئ الحامل من زنا. إذ لا حرمة له، والحمل المجهول قال الروياني: يحمل على أنه من زنا وقال الإمام على إنه من وطئ شبهة تحسينا للظن، وجمع بين كلاميهما بحمل الأول على أنه كالزنا في أنه لا تنقضي به العدة، والثاني: على أنه من شبهة تجنبا عن تحمل الاثم، وهو جمع حسن. (و) بشرط (انفصال كله) أي الحمل، فلا أثر لخروج بعضه متصلا أو منفصلا في انقضاء العدة ولا في غيرها من سائر أحكام الجنين لعدم تمام انفصاله والظاهر الآية. واستثنى من ذلك وجوب الغرة بظهور شئ منه، لأن المقصود تحقق وجوده ووجوب القود إذا حز جان رقبته وهو حي، ووجوب الدية بالجناية على أمه إذا مات بعد صياحه، وقد علم بذلك ضعف ما قاله الدارمي من أن أمية الولد تثبت وتعتق بموت السيد بانفصال بعضه. فإن قيل: لا حاجة إلى هذا الشرط لأنه لا يقال وضعت إلا عند انفصال كله أجيب بأن الوضع يصدق بالكل والبعض. ثم غيا المصنف انفصال كل الحمل بقوله: (حتى) انفصال (ثاني توءمين) تثنية توءم، وهو كل واحد من ولدين مجتمعين في حمل واحد، فلا تنقضي بوضع الأول منهما، بل له الرجعة بعده قبل وضع الباقي لبقاء العدة ثم بين المدة التي لا تقطع الولد الثاني عن كونه توءما بقوله: (ومتى تخلل) بين وضعهما (دون ستة أشهر فتوءمان) أي يسميان بذلك، بخلاف ما إذا تخلل بينهما ستة أشهر فأكثر، فالثاني حمل آخر. فإن قيل: كونه حملا آخر يتوقف على وطئ بعد وضع الأول، فإذا وضعت الثاني لستة أشهر من وضع الأول سقط منها ما يسع الوطئ فيكون الباقي دون ستة أشهر أجيب بأنه يمكن تصوير ذلك باستدخال المني حال وضع الأول. وتقييدهم بالوطئ في قولهم: تعتبر لحظة للوطئ جرى على الغالب، والمراد الوطئ أو استدخال المني الذي هو أولى بالحكم هنا، بل قد يقال يمكن الوطئ حالة الوضع. (وتنقضي) العدة (بميت) أي بوضع ولد ميت كالحي لاطلاق الآية.