كتاب الايلاء هو لغة: الحلف. قال الشاعر:
وأكذب ما يكون أبو المثنى إذا آلى يمينا بالطلاق وكان طلاقا في الجاهلية فغير الشرع حكمه مع عدم استعماله أول الاسلام، وخصه بالحلف على الامتناع من وطئ الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر كما سيأتي. والأصل فيه قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم) * الآية. وإنما عدي فيها بمن، وهو إنما يعدى ب على، لأنه ضمن معنى البعد، كأنه قال: يؤلون مبعدين أنفسهم من نسائهم. وهو حرام للايذاء ، وليس منه إيلاؤه (ص) في السنة التاسعة من نسائه شهرا. وأركانه كما قال الشيخان أربعة: حالف ومدة ومحلوف به ومحلوف عليه، زاد في الأنوار: وصيغة وزوجة. وقد شرع المصنف في الركن الأول فقال: (هو حلف زوج) خرج بذلك السيد والأجنبي كما سيأتي. ويصح من عجمي بالعربية، ومن عربي بالعجمية إن عرف المعنى كما في الطلاق وغيره.
وقوله: (يصح طلاقه) خرج به الصبي والمجنون والمكره، ودخل فيه العبد والحر والمسلم والكافر والخصي والسكران المتعدي بسكره. والمراد أنه يصح طلاقه في الجملة ليدخل ما لو قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، وفرعنا على انسداد باب الطلاق فإنه زوج لا يصح طلاقه في هذه الصورة ومع ذلك يصح إيلاؤه. وقوله: (ليمتنعن من وطئها) أي وأطلق، فلو حلف على الامتناع من وطئها في الدبر أو الحيض أو النفاس أو فيما دون الفرج لم يكن موليا، بل هو محسن لا تتضرر بذلك ولا تطمع في الوطئ فيما ذكر، ولأنه ممنوع من الوطئ في غير الأخيرة شرعا فأكدا الممنوع منه بالحلف. فإن قال: والله لا أجامعك إلا في الدبر فمول، أو: إلا في الحيض أو في النفاس، أو في نهار رمضان، أو في المسجد وجهان: أحدهما وهو الأوجه أنه مول، قال الأسنوي: وهو ما جزم به في الذخائر ولا يتجه غيره، وقال الزركشي: أنه الراجح، فقد جزم به في الذخائر، وقال في المطلب: إنه الأشبه. وبه أفتى البغوي في غير صورة النفاس، لأن الوطئ حرام في هذه الأحوال، فهو ممنوع من وطئها. ويجب عليها الامتناع وتضرب المدة ثم تطالب بعدها بالفيئة أو الطلاق، فإن فاء إليها في هذه الأحوال سقطت المطالبة في الحال لزوال المضارة به وتضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين، كما لو طلق المولى بعد المدة ثم راجع تضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين. والوجه الثاني: لا يكون موليا، وبه جزم السرخسي في صورتي الحيض والنفاس، لأنه لو جامع فيها حصلت الفيئة فاستثناؤه يمنع انعقاد الايلاء. وقوله: (مطلقا) نعت لمصدر محذوف، أي امتناعا مطلقا غير مقيد بمدة، وفي معناه ما إذا أكد بقوله أبدا. وقوله: (أو فوق أربعة أشهر) هو الركن الثاني، وهو المدة، خرج به الأربعة فما دونها، روي عن عمر رضي الله عنه أنه سأل: كم تصبر المرأة؟ فقيل: شهرين، وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفذ الصبر. أي إذا نفذ صبرها طالبت، فلا بد من الزيادة على ذلك. وظاهره أنه يكفي زيادة لحظة لا تسع المطالبة. وهو ما نقله في أصل الروضة عن الإمام وجرى عليه ابن المقري في روضه، وفي كلام الروياني ما يوافقه. قال البلقيني: وهو عجيب لا يوافق عليه، والذي يقتضيه نص الشافعي في الام والمختصر أنه لا يكون موليا إلا بالحلف على فوق أربعة أشهر بزمان يتأتى فيه المطالبة. وصرح به الماوردي، وسبقه إلى نحو ذلك ابن الرفعة.
والأولى أن يقال: إن كلام الإمام محمول على إثم الايذاء، وكلام الماوردي على إثم الايلاء، ألا ترى أنه لو قال: والله لا أطؤك أربعة أشهر، فإذا مضت فوالله لا أطؤك أربعة أشهر فإنه ليس بمول كما سيأتي مع أنه يأثم بذلك إثم الايلاء على الراجح في الروضة؟
تنبيه: ليس هذا الحد مجامع لعدم شموله ما لو قال: ولله لا أطؤك حتى أموت أو تموتي فإنه يكون موليا