قدر كفايته بشرط الضمان، وإن كان أبا أو جدا أو أما بحكم الوصية لها وكان فقيرا فنفقته على الطفل، وله أن ينفق على نفسه بالمعروف ولا يحتاج إلى إذن حاكم كما قاله ابن الصلاح.
كتاب الوديعة هي فعيلة، من ودع إذا ترك، ومنه قوله (ص): لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات والجماعات رواه مسلم: وفي النسائي دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم وجمعها ودائع، قال الشاعر:
إذا أنت لا تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أثقلتك الودائع وهي لغة: الشئ الموضوع عند غير صاحبه للحفظ، وشرعا: تقال على الايداع وعلى العين المودعة، من ودع الشئ يدع إذا سكن لأنها ساكنة عند المودع، وقيل: من قولهم: فلان في دعة، أي راحة، لأنها في راحة المودع ومراعاته وحفظه، قال الشاعر:
استودع العلم قرطاسا فضيعه وبئس مستودع العلم القراطيس والأصح أنها عقد، فحقيقتها شرعا: توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص، فدخل في ذلك صحة إيداع الخمر المحترمة، وجلد ميتة يطهر بالدباغ وزبل وكلب معلم. وخرج بمختص: ما لا اختصاص فيه كالكلب الذي لا يقتنى، وبتوكيل العين في يد ملتقط، وثوب طيرته ريح ونحوه، لأنه مال ضائع مغاير لحكم الوديعة.
والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) *، فهي وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة فهي عامة في جميع الأمانات. قال الواحدي: أجمعوا على أن الآية نزلت بسبب مفتاح الكعبة ولم ينزل في جوف الكعبة آية سواها، وقوله تعالى: * (فليؤد الذي ائتمن أمانته) *، وخبر: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك رواه الحاكم، وقال: على شرط مسلم. وروى البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو يخطب للناس:
لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل. ولان بالناس حاجة بل ضرورة إليها، ولكن (من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها) لأنه يعرضها للتلف، قال ابن الرفعة: ومحله إذا لم يعلم المالك بحاله وإلا فلا تحريم. وقال الزركشي: في ذلك نظر، والوجه تحريمه عليهما. أما على المالك فلاضاعته ماله، وأما على المودع فلإعانته على ذلك ممنوع، لأن الشخص إذا علم أن غيره يأخذ ماله لينفقه أو يعطيه لغيره لا يحرم عليه ولا على الآخذ إذا علم رضاه بذلك. والايداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الآثم، لكن لو كان المودع وكيلا أو ولي يتيم حيث يجوز له الايداع فهي مضمونة بمجرد الاخذ قطعا. (ومن قدر) على حفظها وهو في الحال أمين، (و) لكن (لم يثق بأمانته) بل خاف الخيانة من نفسه في المستقبل، (كره) له قبولها، وهو المعتمد، خشية الخيانة فيها. قال ابن الرفعة.
ويظهر أن هذا إذا لم يعلم المالك الحال، وإلا فلا تحريم ولا كراهة، وفيه ما مر.
تنبيه: جزمه بالكراهة لا يطابق كلام المحرر، فإنه قال: لا ينبغي أن يقبل، ومخالف لما في الروضة وأصلها من حكاية وجهين بالحرمة والكراهة بلا ترجيح. قال الأذرعي: وبالتحريم أجاب الماوردي وصاحب المهذب والروياني وغيرهم، وهو المختار. قال: ولكن محل الوجهين فيما إذا أودع مطلق التصرف مال نفسه وإلا فيحرم قبولها منه جزما. (فإن) قدر على حفظها، و (وثق) بأمانة نفسه فيها (استحب) له قبولها لأنه من التعاون المأمور به. هذا إذا لم يتعين عليه، فإن لم يكن ثم غيره وجب عليه كأداء الشهادة لكن بالأجرة، قال الرافعي: وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي دون إتلاف منفعته ومنفعة حرزه في الحفظ بلا عوض، وقضيته أن له أن يأخذ أجرة الحفظ كما يأخذ