بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفرائض كتاب الفرائض أي مسائل قسمة المواريث، جمع فريضة بمعنى مفروضة: أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها، وإنما اقتصر المصنف في الترجمة على الفرائض لأنه أراد بها مسائل قسمة المواريث كما قدرته الصادقة بالفرض والتعصيب إرادة للتغليب. والفرض لغة التقدير، قال تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * أي قدرتم، وأتى بمعنى القطع، قال تعالى: * (نصيبا مفروضا) * أي مقطوعا محدودا. وبمعنى الانزال، قال تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن) * أي أنزله. وبمعنى التبيين، قال تعالى: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) * أي بين. وبمعنى الاحلال، قال تعالى: * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) * أي أحل. وبمعنى العطاء، تقول العرب: لا أصبت منه فرضا ولا قرضا. ولما كان علم الفرائض مشتملا على هذه المعاني الستة لما فيه من السهام المقدرة والمقادير المقتطعة والعطاء المجرد وتبيين الله تعالى لكل وارث نصيبه وإحلاله وإنزاله سمي بذلك. وشرعا هنا: نصيب مقدر شرعا للوارث. والأصل في الفرائض آيات المواريث والأخبار الآتية كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر. فإن قيل: ما فائدة ذكر ذكر بعد رجل؟ أجيب بأنه للتأكيد لئلا يتوهم أنه مقابل للصبي، بل المراد أنه مقابل الأنثى. فإن قيل: لو اقتصر على ذكر رجل كفى فما فائدة ذكر رجل معه؟
أجيب بأنه لا يتوهم أنه عام مخصوص. وكان في الجاهلية مواريث كانوا يورثون الرجال دون النساء والكبار دون الصغار، وكانوا يجعلون حظ الزوجة أن ينفق عليها من مال الزوج سنة ويورثون الأخ زوجة أخيه. وكان في ابتداء الاسلام بالحلف والنصرة فيقول ذمتي ذمتك ترثني وأرثك، ثم نسخ فتوارثوا بالاسلام والهجرة، ثم نسخ وكانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين، ثم نسخ بآيتي المواريث آية الشتاء التي في أول النساء وآية الصيف التي في آخرها، فلما نزلت قال (ص): إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث واشتهرت الاخبار بالحث على تعليمها وتعلمها منها: تعلموا الفرائض وعلموه أي علم الفرائض، وروي: وعلموها: أي الفرائض الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده. ومنها: تعلموا الفرائض فإنه من دينكم وإنه نصف العلم وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وقال: تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي. قال الماوردي: وإنما حثهم على تعلمه لقرب عهدهم بغير هذا التوارث، أي وهو التوارث المتقدم، واختلف العلماء في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام: فإنه نصف العلم على أقوال، أحسنها أنه باعتبار الحال، فإن حال الناس اثنان حياة ووفاة، فالفرائض تتعلق