يكره له كما سيأتي، والأصل في ذلك الاتباع في نعم الصدقة والقياس في غيرها. أما نعم غير الزكاة والفئ فوسمه مباح لا مندوب ولا مكروه، قاله في المجموع. وكالنعم الخيل والبغال والحمير والفيلة. والوسم بالمهملة: التأثير بالكي وغيره، وجوز بعضهم الاعجام، حكاه المصنف في شرح مسلم، وبعضهم فرق فجعل المهملة للوجه والمعجمة لسائر الجسد. ويكتب على نعم الزكاة ما يميزها عن غيرها، فيكتب عليها: زكاة أو صدقة أو طهرة أو لله، وهو أبرك وأولى اقتداء بالسلف، ولأنه أقل حروفا، فهو أقل ضررا، قاله الماوردي والروياني، وحكى ذلك في المجموع عن ابن الصباغ وأقره. وعلى نعم الجزية، جزية أو صغار بفتح الصاد: أي ذل، وهذا أولى لقوله تعالى: * (وهم صاغرون) *. فإن قيل: لم جاز الوسم بالله مع أنها قد تتمرغ على النجاسات؟ أجيب بأن الغرض التمييز لا الذكر. قال الأذرعي: والحرف الكبير ككاف الزكاة أو صاد الصدقة، أو جيم الجزية، أو فاء الفئ كاف، ويكتب ذلك (في موضع) ظاهر صلب (لا يكثر شعره) والأولى في الغنم آذانها وفي غيرها أفخاذها. ويكون وسم الغنم ألطف من البقر، والبقر ألطف من الإبل، والإبل ألطف من الفيلة. (ويكره) الوسم (في الوجه) للنهي عنه (قلت: الأصح يحرم، وبه جزم) الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود (البغوي) في تهذيبه (وفي صحيح مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري نسبا النيسابوري وطنا، مات سنة إحدى وستين ومائتين عن خمس وخمسين سنة. (لعن فاعله، والله أعلم) أشار إلى حديث جابر رضي الله تعالى عنه: أنه (ص) مر بحمار وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه. قال الأسنوي: وقد نص عليه أيضا في الأم قال: والخبر عندنا يقتضي التحريم فينبغي رفع الخلاف وحمل الكراهة على التحريم، أو أن قائله لم يبلغه الحديث. قال في المجموع: وهذا في غير الآدمي، أما الآدمي فوسمه حرام إجماعا. وقال فيه أيضا: يجوز الكي إذا دعت الحاجة إليه بقول أهل الخبرة وإلا فلا، سواء نفسه أو غيره من آدمي أو غيره، ويجوز خصاء ما يؤكل في صغره لأنه يطيب اللحم ويحرم في الكبير، وكذا خصاء ما لا يؤكل، ويحرم التهريش بين البهائم، ويكره إنزاء الحمر على الخيل، قاله الدميري، وعكسه قال الأذرعي: والظاهر تحريم إنزاء الخيل على البقر لضعفها وتضررها بكبر آلة الخيل.
فصل: في صدقة التطوع، وهي المرادة عن الاطلاق غالبا: (صدقة التطوع سنة) للكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * ومن السنة قوله (ص): من أطعم جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله من خضر الجنة رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد، وخضر الجنة بإسكان الضاد المعجمة: ثيابها الخضر. وقوله (صلى الله عليه وسلم): ما تصدق أحد من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون أعظم من الجبل العظيم. وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية. وقد تجب في الجملة كأن وجد مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عن حاجته، وذلك معلوم في محله. (وتحل لغني) ولو من ذوي القربى على المشهور، لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرم الله علينا الصدقة المفروضة. رواه الشافعي والبيهقي. ومثلهم مولاهم بل أولى، لا للنبي (ص) على الأظهر تشريفا له، ففي الصحيحين: تصدق الليلة على غني، وفيه: لعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله. قال في الروضة: ويستحب للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لاخذها. قال الأسنوي: ويكره له أخذها وإن لم يتعرض لها. ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال (ص): كيتان من نار. والمراد بالغني هو الذي يحرم عليه أخذ الزكاة. فإن قيل: قد تقدم في الحديث أن الميت خلف دينارين، وهذا ليس غني الزكاة.