بل يوزع عليهم لاستحقاقهم له كالغنيمة، وصححه ابن الرفعة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف بل صريحه أن الإمام لا يبقي في بيت المال شيئا من الفئ ما وجد له مصرفا، فيصرف مال كل سنة إلى مصارفه ولا يدخر شيئا خوفا لنازلة تأسيا بأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فإنهما ما كانا يدخران شيئا، ثم إن نزل بالمسلمين نازلة فعلى المسلمين القيام بأمرها، وإن غشيهم العدو على جميعهم أن ينفروا. فإن لم يجد مصرفا ابتدأ رباطات ومساجد على حسب رأيه. وهذا ما جزم به في الروضة كأصلها. قال الإمام: والذي ذهب إليه المحققون أن له أن يدخر في بيت المال لأجل الحوادث اه. فإن ضاق الفئ عن كفايتهم قسم بينهم على قدر أرزاقهم، قاله الماوردي.
(هذا) السابق كله (حكم منقول) مال (الفئ. فأما عقاره) من أرض أو بناء، (فالمذهب أنه) أي جميعه (يجعل وقفا) أي ينشئ الإمام وقفه، (وتقسم غلته) كل سنة (كذلك) أي مثل قسمة المنقول، لأنه أنفع لهم، فتصرف أربعة أخماس الغلة للمرتزقة وخمسها للمصالح وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
تنبيه: يفهم من كلام المصنف أشياء: أحدها أنه لا يصير وقفا بنفس الحصول، بل لا بد من إنشاء وقف كما مر، وقيل: يصير وقفا بنفس الحصول كرق النساء بنفس الأسر، وهو مقابل المذهب ثانيها: تحتم الوقف، وليس مرادا، بل الذي في الشرح والروضة أن الإمام لو رأى قسمته أو بيعه وقسمة ثمنه جاز له ذلك، لكن لا يقسم سهم المصالح، بل يوقف وتصرف غلته في المصالح أو تباع ويصرف ثمنه إليها، ولكن الوقف أولى. ثالثها: أن المراد بالوقف الوقف الشرعي، وهو الأصح، وقيل: المراد الوقف عن التصرف بالقسمة لا الوقف الشرعي.
فصل: في الغنيمة وما يتبعها: (الغنيمة) لغة: الربح، كما سبق أول الباب. وشرعا (مال) وما التحق به كخمرة محترمة، (حصل) لنا (من كفار) أصليين حربيين مما هو لهم (بقتال) منا (وإيجاف) بخيل أو ركاب أو نحوهما مما مر ولو بعد انهزامهم في القتال، أو قبل شهر السلاح حين التقى الصفان. ومن الغنيمة ما أخذ من دراهم سرقة أو اختلاسا أو لقطة أو ما أهدوه لنا أو صالحونا عليه والحرب قائمة. وأما المرهون الذي للحربي عند مسلم أو ذمي والمؤجر الذي له عند أحدهما إذا انفك الرهن وانقضت مدة الإجارة فهل هو فئ أو غنيمة؟ وجهان، أشبههما ما قال الزركشي. الثاني: ويرد على طرد هذا الحد المتروك بسبب حصولنا في دراهم وضرب معسكرنا فيهم فإنه ليس غنيمة في أصح الوجهين عند الإمام مع وجود الايجاف، وعلى عكسه ما أخذ على وجه السرقة أو نحوها فإنه غنيمة كما مر. وخرج بما ذكر ما حصله أهل الذمة من أهل الحرب بقتال، فالنص أنه ليس بغنيمة فلا ينزع منهم، وما أخذ من تركة المرتد فإنه فئ لا غنيمة كما مر، وما أخذ من ذمي كجزية فإنه فئ كما مر أيضا. ولو أخذنا منهم ما أخذوه من مسلم أو ذمي أو نحوه بغير حق لم نملكه. ولو غنم ذمي ومسلم فهل يخمس الجميع أو يصيب المسلم؟ وجهان، أظهرهما الثاني كما رجحه بعض المتأخرين، وصرح الماوردي في قسم الصدقات بأنه لا يغنم مال من لم تبلغه الدعوة، وهو محمول على من تمسك بدين حق ولم تبلغه دعوة النبي (ص) أو لم تبلغه دعوة أصلا، أما لو كان متمسكا بدين باطل فلا، بل هو كغيره من الكفار.
تنبيه: قوله: وإيجاف بالواو هنا بمعنى أو لئلا يرد المأخوذ بقتال الرجالة وبالسفن فإنه غنيمة كما تقرر ولا إيجاف فيه. وإذا تقرر ذلك (فيقدم منه) أي أصل مال الغنيمة (السلب) بالتحريك، (للقاتل) المسلم، سواء أكان حرا أم لا، ذكرا أم لا، بالغا أم لا، شرطه له الإمام أم لا، فارسا أم لا، وذلك لخبر الشيخين: من قتل قتيلا فله سلبه. وروى أبو داود، أن أبا طلحة رضي الله تعالى عنه قتل يوم خيبر عشرين قتيلا وأخذ أسلابهم.
تنبيه: يستثنى من إطلاقه الذمي فإنه لا يستحق لسلب سواء أحضر بإذن الإمام أم لا، والمخذل والمرجف والخائن ونحوهم ممن لا سهم له ولا رضخ. قال الأذرعي: وأطلقوا استحقاق العبد المسلم السلب، ويجب تقييده بكونه لمسلم على