لا يكاد ينضبط كما مر في إن لم تميزي نواي من نواك، فإن معناه الوضعي التفريق، ومعناه العرفي التعيين. هذا إن اضطرب العرف فإن اطرد عمل به لقوة دلالته حينئذ، وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستفتى فيه، نقله الرافعي عن الغزالي وأقره. ولا يختص بقول الغزالي بل يأتي على قول غيره. ومنه ما يأتي في الخسيس على قول المصنف:
ويشبه الخ. ثم شرع في بيان أوصاف تجري في مخاصمة الزوجين ويعلق عليها الطلاق، فقال: (ولو خاطبته) زوجته (بمكروه) من القول، (كيا سفيه يا خسيس، فقال) لها: (إن كنت كذاك) أي سفيها أو خسيسا (فأنت طالق، إن أراد) بذلك (مكافأتها بإسماع ما تكره) أي إغاظتها بالطلاق كما أغاظته بالشتم المكروه، والمعنى: إن كنت كذلك في زعمك فأنت طالق، (طلقت) حالا (وإن لم يكن سفه) أو خسة، (أو) أراد (التعليق اعتبرت الصفة) كما هو سبيل التعليقات، فإن لم تكن موجودة لم تطلق. (وكذا) تعتبر الصفة (إن) أطلق بأن (لم يقصد) شيئا (في الأصح) نظرا لوضع اللفظ فلا تطلق عند عدمها. والثاني: لا تعتبر الصفة حملا على المكافأة اعتبارا بالعرف. وهذا هو الخلاف في أنه يراعى الوضع أو العرف. (والسفه) المعلق به كما هو في المحرر (منافي إطلاق التصرف) فهو صفة لا يكون الشخص معها مطلق التصرف، وقد مر ذلك في بابه. قال الأذرعي: والعرف في زمننا جار بأنه ذو اللسان الفاحش المواجه بما يستحيي منه غالب الناس، فالوجه الحمل عليه لا سيما في العامي الذي لا يعرف السفه من غيره، وقد تدل قرينة على إرادة ذلك بأن خاطبها بما فيه فحش من القول فخاطبته بذلك مشيرة إلى ما صدر منه اه. والمتجه أن السفيه يرجع فيه إلى ما قاله المصنف لا إلى ما قاله الأذرعي إلا إن ادعاه وكان هناك قرينة، وأما العاصي فيرجع فيه إلى ما قاله وإن لم توجد قرينة. (والخسيس، قيل) أي قال العبادي: معناه أنه (من باع دينه بدنياه) أي ترك دينه لاشتغاله بدنياه. قال: وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره. وقال الرافعي تفقها من نفسه نظرا للعرف. (ويشبه أن يقال) في معنى الخسيس: (هو من يتعاطى غير لائق به بخلا) بما يليق به، بخلاف من يتعاطاه تواضعا. والقواد من يجمع بين الرجال والنساء جمعا حراما إن كن غير أهله، قال ابن الرفعة: وكذا من يجمع بينهم وبين المرد. والقرطبان من يسكت على الزاني بامرأته، وفي معناه محارمه ونحوهن، والديوث بالمثلثة: من لا يمنع الداخل على زوجته من الدخول، قال الأذرعي: ويشبه أن محارمه وإماءه كزوجته للعرف. وقليل الحمية من لا يغار على أهله ومحارمه ونحوهن. والقلاش الذواق للطعام كمن يريد أن يشتري ولا يريد الشراء. والبخيل مانع الزكاة ومن لا يقري الضيف، فكل منهما بخيل.
ومن قيل له: يا زوج القحبة فقال: إن كانت زوجتي كذا فهي طالق طلقت إن قصد التخلص من عارها، كما لو قصد المكافأة، وإلا اعتبرت الصفة. والقحبة هي البغي. والجهود وري من قام به الذلة والخساسة، وقيل: من قام به صفرة الوجه، فعلى الأول إذا علق الطلاق به المسلم لم تطلق، لأنه لا يوصف بها، فإن قصد المكافأة بها طلقت في الحال. والكوسج من قل شعر وجهه وعدم شعر عارضيه. والأحمق من يفعل الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه، وقيل: من لا ينتفع بعقله، وقيل: من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه. والغوغاء من يخالط الأراذل ويخاصم الناس بلا حاجة. والسفلة من يعتاد دنئ الافعال لا نادرا. فإذا وصفت زوجها بشئ من ذلك فقال لها: إن كنت كذلك فأنت طالق، فإن قصد مكافأتها طلقت في الحال وإلا اعتبر موجود الصفة. ولو قالت له: كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا، فقال لها: إن كنت رأيت مثلها كثيرا فأنت طالق، فهذه اللفظة في مثل هذا المقام كناية عن الرجولية والفتوة ونحوها، وإن حمل اللفظ على المكافأة طلقت وإلا اعتبرت وجود الصفة. ولو قالت له: أنا أستنكف منك، فقال: كل امرأة تستنكف مني