ولو بعث بشئ مع غيره إلى فقير فلم يجده استحب للباعث أن لا يعود فيه بل يتصدق به على غيره. وتسن الصدقة بالماء، لخبر: أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، أي في الأماكن المحتاج إليه فيها أكثر من غيره. ويكره للانسان أن يتملك صدقته أو زكاته أو كفارته أو نحوها من الذي أخذها، لخبر: العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه، ولأنه قد يستحي منه فيحابيه، ولا يكره أن يتملكها من غير من ملكها له، ولا بالإرث ممن ملكها له. (ومن عليه دين أو) لم يكن عليه (و) لكن (له من تلزمه نفقته يستحب) له (أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه) فالتصدق بدونه خلاف المستحب.
تنبيه: عبارة المصنف لا تطابق ما في المحرر وغيره من كتب الشيخين، فإنهما قالا: لا يستحب له أن يتصدق.
قال الولي العراقي: وبين العبارتين تفاوت ظاهر، وبيانه أن عبارة المصنف أفادت أن عدم التصدق مستحب فيكون التصدق خلاف الأولى، وعبارة المحرر وغيره أن التصدق غير مستحب فتصدق بأن يكون واجبا أو حراما أو مكروها، فإن ذلك كله غير مستحب. (قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته) أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على الإضافة، (أو لدين لا يرجو له وفاء) لو تصدق به: (والله أعلم) أما تقديم ما يحتاجه للنفقة فلخبر: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت، وابدأ بمن تعول رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه مسلم بمعناه. ولان كفايتهم فرض وهو مقدم على النفل، والضيافة كالصدقة. كما قاله المصنف في شرح مسلم، قال: وأما خبر الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه قوته وقوت صبيانه، فمحمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الاكل وأما الرجل والمرأة فتبرعا بحقهما وكانا صابرين، وإنما قال فيه لامهم: نوميهم، خوفا من أن يطلبوا الاكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة. وما ذكر من أنه يحرم عليه التصدق بما يحتاج إليه لنفسه صححه في المجموع ونقله في الروضة عن كثيرين، لكنه صحح فيها عدم التحريم. قال شيخنا: وهو محمول على من صبر كما أفاده كلامه في المجموع. وعلى الأول يحمل ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان عطشان آخر بالماء، وعلى الثاني يحمل ما في الأطعمة من أن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما. وأما تقديم الدين فلان أداءه واجب فيتقدم على المسنون، فإن رجاله وفاء من جهة أخر ظاهرة فلا بأس بالتصدق به إلا إن حصل بذلك تأخير، وقد وجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها، فالوجه وجوب المبادرة إلى إيفائه وتحريم الصدقة بما يتوجه إليه دفعه في دينه كما قاله الأذرعي. (وفي استحباب الصدقة بما) أي بكل ما (فضل عن حاجته) أي كفايته وكفاية من تلزمه كفايته يومه وليلته كسوة فصله، لا ما يكفيه في الحال فقط، لا ما يكفيه في سنته كما هو قضية كلام الاحياء، ولوفاء دينه. (أوجه، أصحها إن لم يشق عليه الصبر) على الإضافة (استحب) له (وإلا فلا) يستحب، بل يكره كما في التنبيه. وعلى هذا التفصيل تحمل الأحاديث المختلفة الظاهر كخبر: إن أبا بكر تصدق بجميع ماله رواه الترمذي وصححه، وخبر: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر. رواه أبو داود وصححه الحاكم.
والوجه الثاني: يستحب مطلقا، والثالث: لا يستحب مطلقا. أما الصدقة ببعض ما فضل عما ذكر فمستحب مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع، فينبغي جريان التفصيل السابق فيه. والمن بالصدقة حرام مبطل محبط للاجر، لقوله تعالى: * (يا أيها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) *، ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
خاتمة: يكره للانسان أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وأن يمنع من يسأل بالله وتشفع به لخبر: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة وخبر: من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع لكم معروفا فكافئوه،