مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ١٣١
وقال السبكي: المراد بالشهوة أن يكون النظر لقصد قضاء وطر بمعنى أن الشخص يحب النظر إلى الوجه الجميل ويلتذ به. قال فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال فهو النظر بشهوة وهو حرام. قال: وليس المراد أن يشتهي زيادة على ذلك من الوقاع ومقدماته، فإن ذلك ليس بشرط بل زيادة في الفسق. قال: وكثير من الناس لا يقدمون على فاحشة ويقتصرون على مجرد النظر والمحبة ويعتقدون أنهم سالمون من الاثم وليسوا بسالمين. ولو انتفت الشهوة وخيف الفتنة حرم النظر أيضا كما حكياه عن الأكثرين، قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها. بل يكفي أن لا يكون ذلك نادرا. (قلت: وكذا بغيرها) وإن أمن الفتنة (في الأصح المنصوص) لأنه مظنة الفتنة، فهو كالمرأة، إذ الكلام في الجميل الوجه النقي البدن كما قيد به في المصنف في التبيان ورياض الصالحين وغيرهما، بل هو أعظم إثما من الأجنبية لأنه لا يحل بحال. وقد ذكر عن أبي عبد الله الجلاء، قال: كنت أمشي مع أستاذي يوما فرأيت حدثا جميلا فقلت:
يا أستاذي ترى أيعذب الله هذه الصورة؟ فقال: ونظرت؟ سترى غبه قال: فنسيت القرآن بعد ذلك بعشرين سنة.
وسمى السلف الصالح المرد الأنتان لأنهم مستقذرون شرعا. والثاني: لا يحرم، وإلا لأمر المرد بالاحتجاب كالنساء. وأجيب بأنهم لم يؤمروا بالاحتجاب للمشقة عليهم فيه، وفي ترك الأسباب اللازمة له، وعلى غيرهم غض البصر عند توقع الفتنة، قال السبكي: وهو ظاهر، وإنما الصعب إيجاب الغض مطلقا كما يقوله المصنف، ويرده أحوال الناس ومخالطتهم الصبيان من عصر الصحابة إلى الآن مع العلم بأنهم لم يؤمروا بغض البصر عنهم في كل حال كالنساء، بل عند توقع الفتنة.
ونازع في المهمات في العزو للنص، وقال الصادر من الشافعي على ما بينه في الروضة: إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة اه‍. وقال الشيخ أبو حامد: لا أعرف هذا النص للشافعي كما نبه عليه ابن الرفعة، ولم يذكره البيهقي في معرفته ولا سننه ولا مبسوطه، وتبعه المحاملي على عدم معرفة النص. وقال البلقيني: ما صححه المصنف لم يصرح به أحد وليس وجها ثانيا، فإن الموجود في كتب الأصحاب أنه إن لم يخف فتنة لا يحرم قطعا، فإن خاف فوجهان، وما ذكره عن النص مطعون فيه، ولعله وقع للشافعي ذلك عند شهوة أو خوف فتنة، وأما عند عدم الشهوة وعدم خوف الفتنة فإنه لا يحرم النظر بلا خلاف، وهذا إجماع من المسلمين، ولا يجوز أن ينسب إلى الشافعي ما يخرق الاجماع اه‍. وقال الشارح: لم يصرح هو - أعني المصنف - ولا غيره بحكايتها في المذهب اه‍. فعلم من هذا كله أن ما قاله المصنف من اختياراته لا أنه المذهب. ومحل الخلاف إذا لم يكن محرما للناظر ولا مملوكا له فإنه لا يحرم نظره إليهما عند الامن وعدم الشهوة بلا خلاف. وحيث قيل بحرمة النظر إليه حرمت الخلوة به، قال في المجموع في صلاة الجماعة: هذا قياس المذهب فإنها أفحش وأقرب إلى المفسدة. (والأصح عند المحققين) الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والمحاملي والجرجاني والعمراني، قال في الروضة: وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، وهو أرجح دليلا، (أن الأمة) في حرمة النظر إليها (كالحرة) في حرمة نظرها مطلقا (والله أعلم) لاشتراكهما في الأنوثة إ وخوف الفتنة. ففي الإماء التركيات ونحوهن من خوف الفتنة أشد من كثير من الحرائر. قال البلقيني في تصحيحه: وما ادعاه المصنف أنه الأصح عند المحققين لا يعرف. وهو شاذ مخالف لاطلاق نص الشافعي في عورة الأمة ومخالف لما عليه جمهور أصحابه اه. وهذا ما عليه عمل الناس، ولكن الأول أحوط لما مر. وما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه من أنه رأى أمة متنقبة فقال: أتتشبهين بالحرائر يالكاع فمحمول على الإماء المبتذلات البعيدات عن الشهوة، أو أنه رضي الله تعالى عنه قصد نفي الأذى عن الحرائر. لأن الإماء كن يقصدن للزنا، قال تعالى: * (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) *، وكانت الحرائر تعرف بالستر فخشي أنه إذا استترت الإماء حصل الأذى للحرائر، فأمر الإماء بالتكشف ويحترزن في الصيانة من أهل الفجور. (والمرأة) البالغة حكمها (مع المرأة) مثلها في النظر، (كرجل) أي كنظر رجل (ورجل) فيما سبق، فيجوز مع الامن ما عدا ما بين السرة والركبة، ويحرم مع الشهوة وخوف الفتنة. (والأصح تحريم نظر) كافرة (ذمية) أو غيرها (إلى مسلمة)
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460