أجيب باحتمال أنه كان وصل العمر الغالب، أو كان غناه بنفقة قريب أو كسب أو نحو ذلك، فقد تطرق إليه الاحتمال فسقط به الاستدلال كما هو من قواعد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه. ويعتبر في حلها له أن لا يظن الدافع فقره، فإن أعطاه ظانا حاجته، ففي الاحياء إن علم الآخذ ذلك لم يحل له ذلك، وكذا إذا دفع إليه لعلمه أو صلاحه أو نسبه لم يحل له إلا أن يكون بالوصف المظنون (و) تحل لشخص (كافر) ففي الصحيحين: في كل كبد رطبة أجر، وأما حديث:
لا يأكل طعامك إلا تقي أريد به بالأولى.
تنبيه: قضية إطلاقه الكافر أنه لا فرق بين الحربي وغيره، وهو ما في البيان عن الصيمري، والأوجه ما قاله الأذرعي من أن هذا فيمن له عهد أو ذمة أو قرابة، أو يرجى إسلامه، أو كان بأيدينا بأسر ونحوه، فإن كان حربيا ليس فيه شئ مما ذكر فلا. وشمل إطلاقه للصدقة عليه من أضحية تطوع، والأوجه المنع كما نص عليه في البويطي.
(ودفعها سرا) أفضل من دفعها جهرا، الآية: * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) *، ولما في الصحيحين في خبر السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه من قوله (ص): ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه. نعم إن كان ممن يقتدى به وأظهرها ليقتدي به من غير رياء ولا سمعة فهو أفضل. (و) دفعها (في رمضان) أفضل من دفعها في غيره، لما رواه الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه: سئل رسول الله (ص) أي الصدقة أفضل؟ قال:
صدقة في رمضان، ولان الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم. وتتأكد في الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة، وفي الغزو والحج، وعند الأمور المهمة كالكسوف والمرض والسفر. قال الأذرعي: ولا يفهم من هذا أن من أراد التطوع بصدقة أو بر في رجب أو شعبان مثلا أن الأفضل له أن يؤخره إلى رمضان أو غيره من الأوقات الفاضلة، بل المسارعة إلى الصدقة أفضل بلا شك، وإنما المراد أن التصدق في رمضان وغيره من الأوقات الشريفة أعظم أجرا مما يقع في غيرها. (و) دفعها (لقريب) أقرب فأقرب رحما ولو كان ممن تجب نفقته أفضل من دفعها لغير القريب وللقريب غير الأقرب، لقوله (ص):
الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه، وحكى في المجموع فيه الاجماع. وفي الأشد من الأقارب عداوة أفضل منها في غيره، ليتألف قلبه، ولما فيه من مجانبة الرياء وكسر النفس.
فائدة: سئل الحناطي: هل الأفضل وضع الرجل صدقته في رحمه من قبل أبيه أو من قبل أمه؟ فأجاب أنهما سواء، وألحق بالأقارب الزوج من الذكور والإناث لخبر الصحيحين: أن امرأتين أتيتا رسول الله (ص) فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله (ص) هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة. ويقال بالزوج الزوجة ثم هي بعد للأقرب فالأقرب من ذي الرحم المحرم من ألحق به في الأقرب، فالأقرب من ذي الرحم غير المحرم كأولاد العم والخال، ثم في الأقرب فالأقرب من المحرم رضاعا ثم مصاهرة ، ثم في الأقرب فالأقرب ولاء من الأعلى والأسفل. (و) دفعها ل (جار) أقرب فأقرب (أفضل) من دفعها لغير الجار غير من تقدم، لخبر البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا وقدم الجار الأجنبي على قريب بعيد من دار المتصدق بل أو قريب منها بحيث لا تنقل إليه الزكاة فيهما، ولو كان القريب ببادية فإن كانت تنقل إليه بأن كان في محلها قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره، وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم. ويسن أن تكون الصدقة مما يحب لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * وأن يدفعها ببشاشة وطيب نفس لما فيه من تكثير الاجر وجبر القلب. وتكره الصدقة بالردئ لقوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) *، فإن لم يجد غيره فلا كراهة، وبما فيه شبهة لخبر مسلم السابق أول الباب. ولا يأنف من التصدق بالقليل فإن قليل الخير كثير عند الله، قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *، وقال (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة.