مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ١٢١
أجيب باحتمال أنه كان وصل العمر الغالب، أو كان غناه بنفقة قريب أو كسب أو نحو ذلك، فقد تطرق إليه الاحتمال فسقط به الاستدلال كما هو من قواعد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه. ويعتبر في حلها له أن لا يظن الدافع فقره، فإن أعطاه ظانا حاجته، ففي الاحياء إن علم الآخذ ذلك لم يحل له ذلك، وكذا إذا دفع إليه لعلمه أو صلاحه أو نسبه لم يحل له إلا أن يكون بالوصف المظنون (و) تحل لشخص (كافر) ففي الصحيحين: في كل كبد رطبة أجر، وأما حديث:
لا يأكل طعامك إلا تقي أريد به بالأولى.
تنبيه: قضية إطلاقه الكافر أنه لا فرق بين الحربي وغيره، وهو ما في البيان عن الصيمري، والأوجه ما قاله الأذرعي من أن هذا فيمن له عهد أو ذمة أو قرابة، أو يرجى إسلامه، أو كان بأيدينا بأسر ونحوه، فإن كان حربيا ليس فيه شئ مما ذكر فلا. وشمل إطلاقه للصدقة عليه من أضحية تطوع، والأوجه المنع كما نص عليه في البويطي.
(ودفعها سرا) أفضل من دفعها جهرا، الآية: * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) *، ولما في الصحيحين في خبر السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه من قوله (ص): ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تدري شماله ما أنفقت يمينه. نعم إن كان ممن يقتدى به وأظهرها ليقتدي به من غير رياء ولا سمعة فهو أفضل. (و) دفعها (في رمضان) أفضل من دفعها في غيره، لما رواه الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه: سئل رسول الله (ص) أي الصدقة أفضل؟ قال:
صدقة في رمضان، ولان الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم. وتتأكد في الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة، وفي الغزو والحج، وعند الأمور المهمة كالكسوف والمرض والسفر. قال الأذرعي: ولا يفهم من هذا أن من أراد التطوع بصدقة أو بر في رجب أو شعبان مثلا أن الأفضل له أن يؤخره إلى رمضان أو غيره من الأوقات الفاضلة، بل المسارعة إلى الصدقة أفضل بلا شك، وإنما المراد أن التصدق في رمضان وغيره من الأوقات الشريفة أعظم أجرا مما يقع في غيرها. (و) دفعها (لقريب) أقرب فأقرب رحما ولو كان ممن تجب نفقته أفضل من دفعها لغير القريب وللقريب غير الأقرب، لقوله (ص):
الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه، وحكى في المجموع فيه الاجماع. وفي الأشد من الأقارب عداوة أفضل منها في غيره، ليتألف قلبه، ولما فيه من مجانبة الرياء وكسر النفس.
فائدة: سئل الحناطي: هل الأفضل وضع الرجل صدقته في رحمه من قبل أبيه أو من قبل أمه؟ فأجاب أنهما سواء، وألحق بالأقارب الزوج من الذكور والإناث لخبر الصحيحين: أن امرأتين أتيتا رسول الله (ص) فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله (ص) هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة. ويقال بالزوج الزوجة ثم هي بعد للأقرب فالأقرب من ذي الرحم المحرم من ألحق به في الأقرب، فالأقرب من ذي الرحم غير المحرم كأولاد العم والخال، ثم في الأقرب فالأقرب من المحرم رضاعا ثم مصاهرة ، ثم في الأقرب فالأقرب ولاء من الأعلى والأسفل. (و) دفعها ل‍ (جار) أقرب فأقرب (أفضل) من دفعها لغير الجار غير من تقدم، لخبر البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا وقدم الجار الأجنبي على قريب بعيد من دار المتصدق بل أو قريب منها بحيث لا تنقل إليه الزكاة فيهما، ولو كان القريب ببادية فإن كانت تنقل إليه بأن كان في محلها قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره، وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم. ويسن أن تكون الصدقة مما يحب لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * وأن يدفعها ببشاشة وطيب نفس لما فيه من تكثير الاجر وجبر القلب. وتكره الصدقة بالردئ لقوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) *، فإن لم يجد غيره فلا كراهة، وبما فيه شبهة لخبر مسلم السابق أول الباب. ولا يأنف من التصدق بالقليل فإن قليل الخير كثير عند الله، قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *، وقال (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460