النار فيخرجون، الخامسة، في رفع درجات ناس في الجنة، وكلها ثبتت في الاخبار، وخص منها بالعظمى، ودخول خلق من أمته الجنة بغير حساب، وهي الثانية، قال في الروضة: ويجوز أن يكون خص بالثالثة والخامسة أيضا. وهو أول من يقرع باب الجنة، وأول شافع، وأول مشفع، أي من يجاب شفاعته، فنسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يشفعه فينا، ويدخلنا معه الجنة، ويفعل ذلك بأهلينا ومشايخنا وإخواننا ومحبينا وسائر المسلمين. ولما كان النكاح من سننه (ص) قال المصنف رحمه الله تعالى: (هو مستحب لمحتاج إليه) بأن تتوق نفسه إلى الوطئ، ولو خصيا كما اقتضاه كلام الاحياء. (يجد أهبته) وهي مؤنة من مهر وكسوة فصل التمكين، ونفقة يومه وإن كان متعبدا، تحصينا لدينه ولما فيه من بقاء النسل وحفظ النسب وللاستعانة على المصالح، ولخبر الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء بالمد: أي قاطع، والباءة بالمد لغة الجماع، والمراد به هنا ذلك، وقيل: مؤن النكاح، والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني، إذ التقدير عنده من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع لعجزه عنها فعليه بالصوم، وإنما قدره بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها. وروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن عبد البر عن عكاف بن وداعة: أنه أتى النبي (ص) فقال له: ألك زوجة يا عكاف؟ قال: لا، قال: ولا جارية قال: لا، قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم والحمد لله، فقال: فأنت إذا من إخوان الشياطين، إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فاصنع كما نصنع، فإن من سنتنا النكاح، شراركم عزابكم، وإن أرذل موتاكم عزابكم وإنما لم يجب لقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) *، إذ الواجب لا يتعلق بالاستطابة، ولقوله تعالى: * (مثنى وثلاث ورباع) * ولا يجب العدد بالاجماع، ولقوله: * (أو ما ملكت أيمانكم) *. ورد السبكي الأول بأنه ليس المراد بالآية المستطاب، وإنما المراد الحلال لأن في النساء محرمات، وهن في قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * الآية.
وقيل: هو فرض كفاية على الأمة لا يسوغ لجماعتهم الاعراض عنه لبقاء النسل، وقيل: يجب إذا خاف الزنا. قال المصنف:
وهذا الوجه لا يتجه بل يخير بينه وبين التسري. ورد بأن قائله لحظ الكمال بالاحصان الذي يمتنع به من الوقوع في الزنا خوف الرجم وهو مفقود في التسري. وقيل: يجب إذا نذره حيث كان مستحبا، ورد بأن النذر إنما يصح فيما يستقل به المكلف، والنكاح لا يستقل به لتوقفه على رضا الولي إذا كانت مجبرة، وعلى رضا الولي والمرأة إذا كانت غير مجبرة، وهو في حال النذر غير قادر على إنشاء النكاح، وبأن النكاح عقد، والعقود لا تثبت في الذمة، وما لا يثبت في الذمة لا يتصور التزامه بالنذر وقد ذكروا في كتاب النكاح أنه لا يتصور ثبوته في الذمة، وذلك فيما إذا قال: أعتقتك على أن تنكحيني فقبلت فإنه لا يلزمها أن تتزوج به لأن النكاح لا يثبت في الذمة. وقيل: يجب فيما إذا كان تحته امرأتان فظلم واحدة بترك القسم ثم طلقها قبل أن يوفيها حقها من نوبة الضرة ليوفيها حقها من نوبة المظلومة بسببها، ورد بأن هذه دعوى تحتاج إلى دليل، فإن هذا الطلاق أحد أنواع البدعي، وقالوا في الطلاق البدعي: إنه يستحب فيه الرجعة. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو كان في دار الحرب، فإنه لا يستحب له النكاح وإن اجتمعت فيه الشروط كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعلله بالخوف على ولده من الكفر والاسترقاق.
تنبيه: إطلاق المصنف لا يشمل المرأة بدليل قوله: يجد أهبته، وصرح في التنبيه بإلحاقها بالرجل في حال الحاجة وعدمها، فقال: فإن كانت لا تحتاج إلى النكاح، أي وهي تتعبد، كره لها أن تتزوج، أي لأنها تتقيد بالزوج وتشتغل عن العبادة، وإن كانت محتاجة إليه، أي لتوقانها إلى النكاح أو إلى النفقة أو خائفة من اقتحام الفجرة أو لم تكن متعبدة استحب لها أن تتزوج، أي لما في ذلك من تحصين الدين وصيانة الفرج والترفه بالنفقة وغيرها. وبذلك علم أن ما قيل إنه يستحب لها النكاح مطلقا مردود. والضمائر في قول المصنف: هو وإليه وأهبته إن أراد بها العقد أو الوطئ أو ب إليه العقد لم يصح، وإن أراد ب هو وأهبته العقد وب إليه الوطئ صح، لكن فيه تعسف والشارح فسر النكاح