قال: والقول بوجوب استيعاب الأصناف وإن كان ظاهر المذهب بعيد، لأن الجماعة لا يلزمهم خلط فطرتهم، والصاع لا يمكن تفرقته على ثلاثة من كل صنف في العادة. (وإلا) بأن قسم المالك أو الإمام ولا عامل بأن حمل كل من أصحاب الأموال زكاته إلى الإمام أو استأجر الإمام عاملا من بيت المال، (فالقسمة) حينئذ (على سبعة) لسقوط سهم العامل، فيدفع لكل صنف منهم سبع الزكاة قل عده أو كثر. (فإن فقد بعضهم) من البلد وغيره، (فعلى الموجودين) منهم، إذ المعدوم لا سهم له. قال ابن الصلاح: والموجود الآن أربعة: فقير، ومسكين، وغارم، وابن سبيل. وقال ابن كج: سمعت القاضي أبا حامد يقول: أنا أفرق زكاة مالي على الفقراء والمساكين لأني لا أجد غيرهم. ولعل هذا كان في زمنهم، وأما في زماننا فلم نفقد إلا المكاتبين، لكن جاء في الخبر: أن في آخر الزمان يطوف الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف فقد البعض صورتين: إحداهما فقد صنف بكماله كالمكاتبين، والثانية: فقد بعض صنف بأن لا يجد منه إلا واحدا أو اثنين، وفي زيادة الروضة: أنه يصرف باقي السهم إليه إن كان مستحقا، ولا ينقل لبلد آخر، فإن لم يوجد أحد منهم في بلد الزكاة ولا غيرها حفظت الزكاة حتى يوجدوا أو بعضهم، فإن وجدوا وامتنعوا من أخذها قاتلهم الإمام على ذلك كما قاله سليم في المجرد لأن أخذها فرض كفاية، ولا يصح إبراء المستحقين المحصورين المالك من الزكاة، وإن وجدوا في غير بلد الزكاة فسيأتي حكمه في نقل الزكاة. (وإذا قسم الإمام) أو نائبه المفروض إليه الصرف، (استوعب) وجوبا (من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف) لأنه لا يتعذر عليه الاستيعاب، ولا يجب عليه أن يستوعب في زكاة كل شخص جميع الأصناف بل له أن يعطى زكاة شخص بكمالها لواحد، وأن يخص واحدا بنوع وآخر بغيره، لأن الزكوات كلها في يده كالزكاة الواحدة.
تنبيه: محل وجوب الاستيعاب كما قال الزركشي إذا لم يقل المال فإن قل بأن كان قدرا لو وزعه عليهم لم يسد لم يلزمه الاستيعاب للضرورة، بل يقدم الأحوج فالأحوج أخذا من نظيره في الفئ. (وكذا يستوعب) وجوبا المالك آحاد كل صنف (إن انحصر المستحقون في البلد) بأن سهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم، وسيأتي بيان ضابط العدد المحصور في باب ما يحرم من النكاح إن شاء الله تعالى. (ووفى بهم) أي بحاجتهم (المال) ويجب التسوية بينهم حينئذ، فإن أخل أحدهما بصنف ضمن ما كان يعطيه له ابتداء لكن الإمام إنما يضمن من مال الصدقات لا من ماله بخلاف المالك، قاله الماوردي.
(وإلا) أي وإن لم ينحصروا أو انحصروا ولم يف المال بحاجتهم، (فيجب) في غير العامل (إعطاء ثلاثة) فأكثر من كل صنف، لأن الله تعالى أضاف إليهم الزكوات بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة، فلو دفع لاثنين غرم للثالث أقل متمول على الأصح في المجموع لأنه لو أعطاه ابتداء خرج عن العهدة، فهو القدر الذي فرط فيه، وقيل: يغرم له الثلث. أما العامل فيجوز أن يكون واحدا إن حصلت به الكفاية. (وتجب التسوية بين الأصناف) سواء أقسم الإمام أو المالك وإن كانت حاجة بعضهم أشد لانحصارهم، ولان الله تعالى جمع بينهم بواو التشريك، فاقتضى أن يكونوا سواء.
تنبيه: يستثنى من ذلك صورتان: الأولى العامل فإنه لا يزاد على أجرته كما مر. الثانية: الفاضل نصيبه عن كفايته، فإنه يعطى قدر كفايته فقط. و (لا) يجب على المالك التسوية (بين آحاد الصنف) لأن الحاجات متفاوتة غير منضبطة فاكتفي بصدق الاسم، بل يستحب عند تساوي حاجاتهم. فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها، بخلاف الوصية لفقراء بلد فإنه يجب التسوية بينهم لأن الحق فيها لهم على التعيين، حتى لو لم يكن ثم فقير بطلت الوصية. وهذا لم يثبت الحق لهم على التعيين وإنما تعينوا لفقد غيرهم، ولهذا لو لم يكن في البلد مستحق لا تسقط الزكاة بل ينقل