البوشنجي. وعقد النكاح لازم من جهة الزوجة، وكذا من جهة الزوج على الأصح. وهل هو ملك أو إباحة؟ وجهان، ويظهر أثر الخلاف فيمن حلف لا يملك شيئا وهو متزوج، وفيما لو وطئت الزوجة بشبهة إن قلنا ملك فالمهر له وإلا فلها.
واختار المصنف عدم الحنث في الأولى إذا لم يكن له نية إذ لا يفهم منه الزوجية، وأما في الثانية فالمهر لها، فظهر أن الراجح هو الثاني. وهل كل من الزوجين معقود عليه أو المرأة فقط؟ وجهان، أوجههما الثاني. والأصل في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فمن الكتاب قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * وقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) *. ومن السنة قوله (ص): من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح، وقوله (صلى الله عليه وسلم): تناكحوا تكثروا رواهما الشافعي بلاغا، وقوله (ص): الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة رواه مسلم، وقوله (ص): من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه أي لأن الفرج واللسان لما استوى في إفساد الدين جعل كل واحد شطرا. قال الأطباء: ومقاصد النكاح ثلاثة: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه، ونيل اللذة، وهذه الثالثة هي التي في الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتباس. قال البلقيني: والنكاح شرع من عهد آدم (ص) واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة ولا نظير له فيما يتعبد به من العقود بعد الايمان قال: قلت:
ذلك بفتح الكريم المنان اه. وقد جرت عادة أصحابنا بتخصيص هذا الكتاب بذكر الخصائص الشريفة أوله لأنها في النكاح أكثر منها في غيره، وقد ذكرت منها أشياء كثيرة ينشرح الصدر بها في شرح التنبيه فلا أطيل بذكره هاهنا، ولكن أذكر منها طرفا يسيرا تبركا ببركة صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن ذكرها مستحب. قال في الروضة: ولا يبعد القول بوجوبها لئلا يرى الجاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح، فيعمل به أخذا بأصل التأسي فوجب بيانها لتعرف، وهي أربعة أنواع: أحدها: الواجبات، وهي أشياء كثيرة، منها الضحى، والوتر، والأضحية، والسواك، والمشاورة. والنوع الثاني: المحرمات، وهي أيضا كثيرة، منها الزكاة، والصدقة، ومعرفة الخط والشعر، وخائنة الأعين، وهي الايماء بما يظهر خلافه دون الخديعة في الحرب، ونكاح الأمة ولو مسلمة النوع الثالث:
التخفيفات والمباحات، وهي كثيرة أيضا، منها تزويج من شاء من النساء لمن شاء ولو لنفسه بغير إذن من المرأة ووليها متوليا الطرفين، وزوجه الله تعالى وأبيح له الوصال وصفي المغنم ويحكم ويشهد لولده ولنفسه، وأبيح له نكاح تسع، وقد تزوج (ص) بضع عشرة، ومات عن تسع. قال الأئمة: وكثرة الزوجات في حقه (ص) للتوسعة في تبليغ الأحكام عنه الواقعة سرا مما لا يطلع عليه الرجال ونقل محاسنه الباطنة فإنه (ص) تكمل له الظاهر والباطن.
النوع الرابع: الفضائل والاكرام، وهي كثيرة جدا، منها تحريم منكوحاته على غيره، سواء أكن موطوءات أم لا، مطلقات أم لا، باختيارهن أم لا، وتحريم سراريه وهن إماؤه الموطوءات بخلاف غير الموطوءات، وتفضيل زوجاته على سائر النساء على ما يأتي، وثوابهن وعقابهن مضاعف وهن أمهات المؤمنين، فلا يقال لهن أمهات المؤمنات، بخلافه (صلى الله عليه وسلم) فإنه أب للرجال والنساء، وأما قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * فمعناه ليس أحد من رجالكم ولد صلبه، ويحرم سؤالهن إلا من وراء حجاب، وأفضلهن خديجة ثم عائشة، وأفضل نساء العالمين مريم بنت عمران إذ قيل بنبوتها، ثم فاطمة بنت رسول الله (ص) ثم خديجة ثم عائشة ثم آسية امرأة فرعون، وأما خبر الطبراني: خير نساء العالمين مريم بنت عمران، ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد (ص) ثم آسية امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة، وهو (ص) خاتم النبيين وأفضل الخلق على الاطلاق، وخص بأنه أول النبيين خلقا وبتقديم نبوته، فكان نبيا وآدم منجدل في طينته وبتقدم أخذ الميثاق عليه، وبأنه أول من قال: بلى وقت * (ألست بربكم) * وبخلق آدم وجميع المخلوقات لأجله، وبكتابة اسمه الشريف على العرش والسماوات والجنان وسائر ما في الملكوت، وبشق صدره الشريف في أحد القولين، وبجعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه، وبحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب، وبإحياء أبويه حتى آمنا به، وأكرم (صلى الله عليه وسلم) بالشفاعات الخمس يوم القيامة، أولها العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء، الثانية: في إدخال خلق الجنة بغير حساب، الثالثة: في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها، الرابعة: في ناس دخلوا