فيصح الابراء منها على القولين وإن كانت مجهولة الصفة، لأنه اغتفر ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فيغتفر في الابراء تبعا له.
(ويصح ضمانها في الأصح كالابراء، ولأنها معلومة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد. والثاني: لا، لجهالة وصفها والابراء مطلوب فوسع فيه بخلاف الضمان. فالوجهان على الجديد، ويصح على القديم جزما. وعلى القول بصحة الضمان يرجع ضامنها إذا ضمنها بالاذن وغرمها بمثلها لا بقيمتها كالقرض كما جزم به ابن المقري. ولا يصح ضمان الدية عن العاقلة قبل الحلول لأنها غير ثابتة بعد، ولو سلم ثبوتها فليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم عن قرب بخلاف الثمن في مدة الخيار.
فروع: لو ملكه مدينه ما في ذمته برئ منه من غير نية أو قرينة ولو لم يقبل كالابراء، ولو أبرأ أحد خصميه مبهما لم يصح، ولو أبرأ وارث عن دين مورثه ولو لم يعلم بموته ثم تبين موته صح كما في البيع، ولو ضمن عنه زكاته صح كدين الآدمي. ويعتبر الاذن عند الأداء إذا ضمن عن حي، فإن ضمن عن ميت جاز الأداء عنه وإن انتفى الاذن كما ذكره الرافعي في باب الوصية. ولو استحل منه من غيبة اغتابها ولم يعينها له فأحله منها فهل يبرأ منها أو لا؟ وجهان أحدهما نعم، لأنه إسقاط محض، كمن قطع عضوا من عبد ثم عفا سيده عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع فإنه يصح.
والثاني: لا، لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضا بالمجهول. ويفارق القصاص بأن العفو عنه مبني على التغليب والسراية بخلاف إسقاط المظالم، وبهذا جزم المصنف في أذكاره، قال: لأنه قد يسامح شئ دون شئ. وزعم الأذرعي أن الأصح خلافه أخذا مما ذكره في باب الشهادة من أن مقتضى كلام الحليمي وغيره الجزم به، وهذا هو الظاهر. (ولو قال ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته) لانتفاء الغرر بذكر الغاية. والثاني: لا يصح لجهالة المقدار، فإنه متردد بين الدرهم والعشرة. (و) الأصح على الأول (أنه يكون ضامنا لعشرة) إن كانت عليه أو أكثر منها إدخالا للطرفين في الالتزام. (قلت: الأصح لتسعة، والله أعلم إدخالا للطرف الأول لأنه مبدأ الالتزام، وقيل: لثمانية، إخراجا للطرفين. فإن قيل: رجح المصنف في باب الطلاق أنه لو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقوع الثلاث، وقياسه تعين العشرة. أجيب بأن الطلاق محصور في عدد فالظاهر استيفاؤه بخلاف الدين. ولو ضمن ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية كما في الاقرار، ولو كان جاهلا بقدر الدين وقال ضمنت دراهمك التي على فلان صح في ثلاثة كما هو مقتضى كلام أصل الروضة في التفويض في الصداق، لدخولها في اللفظ بكل حال.
فصل: في كفالة البدن، وتسمى أيضا كفالة الوجه: (المذهب صحة كفالة البدن) في الجملة لأنه سيأتي منعها في حدود الله تعالى. وهي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له للحاجة إليها، واستؤنس لها بقوله تعالى: * (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به) *. وفي قول: لا تصح، لأن الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه.
والطريق الثاني القطع بالأول. وقول الشافعي: كفالة البدن ضعيفة، أراد من جهة القياس. (فإن كفل بدن من عليه مال لم يشترط العلم بقدره) لأنه تكفل بالبدن لا بالمال، (و) لكن (يشترط كونه) أي المال (مما يصح ضمانه) فلا تصح الكفالة ببدن المكاتب للنجوم التي عليه لأنه لا يصح ضمانها كما مر.
تنبيه: قوله كأصله: من عليه مال يوهم أن الكفالة لا تصح ببدن من عنده مال لغيره، وليس مرادا بل تصح وإن كان المال أمانة كوديعة، لأن الحضور مستحق عليه فيشمله الضابط الآتي. (والمذهب صحتها ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف) وتعزير، لأنه حق لازم فأشبه المال. وفي قول: لا تصح، لأن العقوبة مبنية على الدفع فتقطع