وبه أجاب قاضي حماه (ويكره تجصيص القبر) أي تبييضه بالجص وهو من الجبس، البارزي، وهو ظاهر وقيل الجير، والمراد هنا هما أو أحدهما. (والبناء) عليه كقبة أو بيت، للنهي عنهما في صحيح مسلم. وخرج بتجصيصه تطيينه، فإنه لا بأس به كما نص عليه. وقال في المجموع: إنه الصحيح وإن خالف الامام والغزالي في ذلك فجعلاه كالتجصيص.
(والكتابة عليه) سواءا أكتب اسم صاحبه أم غيره في لوح عند رأسه أم في غيره للنهي عنه، رواه الترمذي وقال:
حسن صحيح. قال الأذرعي: هكذا أطلقوه، والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن على القبر لتعرضه للدوس عليه، والنجاسة والتلويث بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة اه، لكن هذا غير محقق، فالمعتمد إطلاق الأصحاب. ويكره أن يجعل على القبر مظلة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه رأى قبة فنحاها، وقال: دعوه يظله عمله.
وفي البخاري: لما مات الحسن بن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم ضربت امرأته القبة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا. ويكره تقبيل التابوت الذي يجعل على القبر كما يكره تقبيل القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء، فإن هذا كله من البدع التي ارتكبها الناس: * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) *. (ولو بني) عليه (في مقبرة مسبلة) وهي التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها، (هدم) البناء لأنه يضيق على الناس، ولا فرق بين أن يبني قبة أو بيتا أو مسجدا أو غير ذلك. ومن المسبل كما قال الدميري وغيره: قرافة مصر، فإن ابن عبد الحكم ذكر في تاريخ مصر أن عمرو بن العاص أعطاه المقوقس فيها مالا جزيلا، وذكر أنه وجد في الكتاب الأول أنها تربة الجنة، فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إليه: إني لا أعرف تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين فاجعلوها لموتاكم وقد أفتى جماعة من العلماء بهدم ما بني فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه أن البناء في المقبرة المسبلة مكروه، ولكن يهدم. فإنه أطلق في البناء وفصل في الهدم بين المسبلة وغيرها، إذ لا يمكن حمل كلامه في الكراهة على التحريم لفساده، لأن التجصيص والكتابة والبناء في غير المسبلة لا حرمة فيه، فيتعين أن يكون كراهة تنزيه. ولكنه صرح في المجموع وغيره بتحريم البناء فيها وهو المعتمد، فلو صرح به هنا كان أولى. فإن قيل: يؤخذ من قوله هدم الحرمة. أجيب بالمنع، فقد قال في الروضة في آخر شروط الصلاة: إن غرس الشجرة في المسجد مكروه، قال: فإن غرست قطعت. وجمع بعضهم بين كلامي المصنف بحمل الكراهة على ما إذا بنى على القبر خاصة بحيث يكون البناء واقعا في حريم القبر، والحرمة على ما إذا بنى على القبر قبة أو بيتا يسكن فيه، والمعتمد الحرمة مطلقا. (ويندب أن يرش القبر بماء) لأنه (ص) فعله بقبر ولده إبراهيم، رواه أبو داود في مراسيله، وتفاؤلا بالرحمة وتبريد المضجع الميت، ولان فيه حفظا للتراب أن يتناثر. قال الأذرعي: الأولى أن يكون طهورا باردا، والظاهر كراهته بالنجس أو تحريمه اه. والذي ينبغي الكراهة، وأما التحريم ففي غاية البعد. وخرج بالماء من الورد، فالرش به مكروه كما في زيادة الروضة لأنه إضاعة مال. قال الأسنوي: ولو قيل بتحريمه لم يبعد، وقال السبكي: لا بأس باليسير منه إذا قصد به حضور الملائكة لأنها تحب الرائحة الطيبة، ولعل هذا هو مانع الحرمة من إضاعة المال. ويكره أيضا أن يطلى بالخلوق. (ويوضع عليه حصى) لما رواه الشافعي مرسلا: أنه (ص) وضعه على قبر ابنه إبراهيم وروي أنه رأى على قبره فرجة فأمر بها فسدت وقال: إنها لا تضر ولا تنفع وإن العبد إذا عمل شيئا أحب الله منه أن يتقنه.
ويسن أيضا وضع الجريد الأخضر على القبر، وكذا الريحان ونحوه من الشئ الرطب. ولا يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه لأن صاحبه لم يعرض عنه إلا عند يبسه، لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته وهو الاستغفار. (و) أن يوضع (عند رأسه حجر أو خشبة) أو نحو ذلك، لأنه (ص) وضع عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال: أتعلم بها قبر أخي لأدفن إليه من مات من أهلي رواه أبو داود، وعن الماوردي استحباب ذلك عند رجليه أيضا. (و) يندب (جمع الأقارب) للميت (في موضع) واحد من المقبرة لأنه أسهل على الزائر. قال البندنيجي: ويسن أن يقدم الأب