باب زكاة النقد وهو ضد العرض والدين. قاله القاضي عياض: فيشمل المضروب وغيره، وبهذا يندفع اعتراض الأسنوي بأن النقد هو المضروب من الذهب والفضة خاصة، فلو عبر المصنف بهما كما عبر في الروضة لكان أولى. وقال الأزهري:
الناض من المال ما كان نقدا وهو ضد العرض، ويندفع بهذا اعتراض المصنف على التنبيه بأن الناض هو الدراهم والدنانير خاصة، وأنه كان ينبغي أن يقول الذهب والفضة. وأصل النقد لغة الاعطاء. ثم أطلق النقد على المنقود من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول، والأصل في الباب قبل الاجماع مع ما يأتي قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * والكنز هو الذي لم تؤد زكاته. (نصاب الفضة مائتا درهم، و) نصاب (الذهب عشرون مثقالا) بالاجماع، (بوزن مكة) لقوله (ص): المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. وسواء المضروب منهما وغيره. وهذا المقدار تحديد، فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة على الأصح للشك في النصاب. وقدم الفضة على الذهب لأنها أغلب. والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما، وهو اثنان وسبعون حبة، وهي شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال. والمراد بالدراهم الدراهم الاسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان، وكانت في الجاهلية مختلفة، ثم ضربت في زمان عمر وقيل عبد الملك على هذا الوزن، وأجمع المسلمون عليه. ووزن الدرهم ستة دوانق، والدانق ثمان حبات وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، لأن المثقال عشرة أسباع، فإذا نقص منها ثلاثة بقي درهم.
فائدة: كل دراهم أخذ نصفها وخمسها كان المأخوذ مثاقيل، وكذا لو أخذ خمسها ونصف خمسها كان الباقي مثاقيل، وكل مثاقيل ضربت في عشرة وقسمت على سبعة خرجت دراهم. (وزكاتهما) أي الذهب والفضة (ربع عشر) في النصاب، لما روى الشيخان أنه (ص) قال: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. وروى البخاري:
وفي الرقة ربع العشر والرقة والورق: الفضة، والهاء عوض من الواو. والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء على الأشهر أربعون درهما بالنصوص المشهورة والاجماع، قاله في المجموع، قال: وروى أبو داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن عن علي عن النبي (ص) أنه قال: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ وفي عشرين نصف دينار وروى أبو داود والبيهقي بإسناد جيد: ليس عليك شئ حتى يكون عشرون دينارا، فإذا كانت لك وحال عليها الحول ففيها نصف دينار. والمعنى في ذلك أن الذهب والفضة معدان للنماء كالماشية السائمة، وهما من أشرف نعم الله تعالى على عباده إذ بهما قوام الدنيا ونظام أحوال الخلق، فإن حاجات الناس كثيرة وكلها تنقضي بهما بخلاف غيرهما من الأموال، فمن كنزهما فقد أبطل الحكمة التي خلقها لها كمن حبس قاضي البلد ومنعه أن يقضي حوائج الناس. ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كما صرح به في المحرر، والفرق بينه وبين المواشي ضرر المشاركة. ولا يكمل نصاب أحدهما بالآخر لاختلاف الجنس كما لا يكمل التمر بالزبيب، ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد وعكسه كما في الماشية. والمراد بالجودة النعومة وبالرداءة الخشونة ونحوها. ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل الاخذ بأن قلت أنواعه، فإن كثرت وشق اعتبار الجميع أخذا من الوسط كما في المعشرات. ولا يجزئ ردئ عن جيد ولا مكسر عن صحيح كما لو أخرج مريضة عن صحاح، قالوا: ويجوز عكسه، بل هو أفضل لأنه زاد خيرا، فيسلم مخرج الدينار الصحيح أو الجيد إلى من يوكله الفقراء منهم أو من غيرهم. قال في المجموع:
وإن لزمه نصف دينار سلم إليهم دينارا نصفه عن الزكاة ونصفه يبقى له معهم أمانة ثم يتفاصل هو وهم فيه بأن يبيعوه لأجنبي ويتقاسموا ثمنه أو يشتروا منه نصفه أو يشتري نصفهم، لكن يكره له شراء صدقته ممن تصدق عليه سواء فيه الزكاة وصدقة