قضاؤها فورا لتقصيره، لكن لا يقتل بفائتة فائتة بعذر لأن وقتها موسع أو بلا عذر وقال أصليها لنوبته، بخلاف ما إذا لم يقل ذلك كما مرت الإشارة إليه. ولو ترك منذورة مؤقتة لم يقتل كما علم من تقييد الصلاة بإحدى الخمس لأنه الذي أوجبها على نفسه، وفيه احتمال للشيخ أبي إسحاق. قال الغزالي: ولو زعم زاعم أن بينه وبين الله حاجة أسقطت عنه الصلاة وأحلت له شرب الخمر وأكل مال السلطان كما زعمه بعض من ادعى التصوف فلا شك في وجوب قتله وإن كان في خلوده في النار نظر، وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لأن ضرره أكثر.
كتاب الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش، وقيل: بالفتح اسم لذلك، وبالكسر اسم للنعش وعليه الميت، وقيل عكسه، وقيل: هما لغتان فيها فإن لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش. وهي من جنزه يجنزه إذا ستره.
ولما اشتمل هذا الكتاب على الصلاة ذكر هنا دون الفرائض، وصدره بما يفعله المكلف قبل موته، فقال: (ليكثر) ندبا المكلف صحيحا كان أو مريضا، (ذكر الموت) لأن ذلك أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة، ولخبر: أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت، صححه ابن حبان والحاكم، وقال: إنه على شرط مسلم، وزاد النسائي: فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله ولا قليل إلا كثره أي كثير من الدنيا وقليل من العمل. وهاذم بالذال المعجمة، ومعناه القاطع، وأما بالمهملة فمعناه المزيل للشئ من أصله. وروى الترمذي بإسناد حسن أنه (ص) قال لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء قالوا: نستحي يا نبي الله والحمد لله، قال: ليس كذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. قال في المجموع: قال الشيخ أبو حامد: ويستحب الاكثار من ذكر هذا الحديث.
والموت مفارقة الروح للبدن، والروح عند جمهور المتكلمين جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، وهو باق لا يفنى عند أهل السنة، وقوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * تقديره: عند موت أجسادها، وعند جمع منهم عرض وهو الحياة التي صار البدن بوجودها حيا. وأما الصوفية والفلاسفة فليست عندهم جسما ولا عرضا، بل جوهر مجرد غير متحيز يتعلق بالبدن تعلق التدبير وليس داخلا فيه ولا خارجا عنه. (ويستعد) له (بالتوبة ورد المظالم) إلى أهلها، بأن يبادر إليهما لئلا يفجأه الموت المفوت لهما، وظاهر كلامه استحبابهما لأنه معطوف على مستحب، ويؤكد ذلك قوله بعد: والمريض آكد وهو ما صرح به في الارشاد تبعا للقمولي. والمشهور وجوبهما لأن التوبة مما تجب منه واجبة على الفور، وكذا رد المظالم الممكن ردها. وصرح برد المظالم مع دخوله في التوبة لعظم أمره ولئلا يغفل عنه كما مر في باب الاستسقاء، ولو عبر بالخروج منها ليتناول رد العين وقضاء الدين والابراء منه وإقامة الحدود والتعزير والابراء منهما كان أولى. (والمريض آكد) بذلك، أي أشد طلبا لما ذكر من الصحيح لنزول مقدمات الموت به. ويسن أن يستعد لمرضه بالصبر عليه وترك الأنين منه جهده، ولا يكره كما في المجموع وإن صرح جماعة بكراهته، ويكره كثرة الشكوى فيه لأنها ربما تشعر بعدم الرضا بالقضاء، قال في المجموع: ولو سأله طبيب أو قريب أو صديق أو نحوه عن حاله فأخبره بالشدة التي هو فيها لا على صورة الجزع فلا بأس. ويسن لأهله الرفق به والصبر عليه، وللأجنبي أن يوصيهم بذلك، وأن يحسن المريض خلقه، ويجتنب المنازعة، في أمور الدنيا، ويسترضي من له به علقة كزوجته وجيرانه ويتعهد نفسه بالذكر وأحوال الصالحين عند الموت، ويوصي أهله بالصبر عليه وترك النوح عليه ونحوه مما جرت العادة به من البدع في الجنائز. ويسن لغيره عيادته ولو في أول يوم إن كان مسلما، فإن كان ذميا له قرابة أو جوار ونحوه كرجاء إسلامه