الابتداء، والخبر محذوف. قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر إن محذوفا، أي إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك.
(والملك لا شريك لك) وذلك للاتباع رواه الشيخان. ويسن أن يقف وقفة لطيفة عند قوله والملك، ثم يبتدئ ب لا شريك لك، وأن يكرر التلبية ثلاثا إذا لبى. والقصد بلبيك الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم (ص): * (وأذن في الناس بالحج) * فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق. وقال مجاهد: قام إبراهيم على مقامه فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم حينئذ. ويسن أن لا يزيد على هذه الكلمات ولا ينقص عنها، ولا تكره الزيادة عليها، لما في الصحيحين أن ابن عمر كان يزيد في تلبية رسول الله (ص): لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. زاد الترمذي بعد بيديك: لبيك وهو ما أورده الرافعي. (وإذا رأى ما يعجبه) أو يكرهه، وتركه المصنف اكتفاء بذكر مقابله، كقوله تعالى: * (سرابيل تقيكم الحر) * أي والبرد. (قال) ندبا: (لبيك إن العيش) أي الحياة المطلوبة الدائمة الهنية. (عيش) أي حياة الدار (الآخرة) قاله (ص) حين وقف بعرفات ورأي جمع المسلمين، رواه الشافعي وغيره عن مجاهد مرسلا. وقاله (ص) في أشد أحواله في حفر الخندق، رواه الشافعي أيضا، ومن لا يحسن التلبية بالعربية يلبي بلغته. وهل يجوز للقادر على العربية أن يلبي بالعجمية؟ وجهان، بناهما المتولي على الخلاف في نظيره من تسبيحات الصلاة، ومقتضاه عدم الجواز. والظاهر كما قال الأذرعي هنا الجواز، لأن الكلام في الصلاة مفسد من حيث الجملة بخلاف التلبية، ولا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح. (وإذا فرغ من تلبيته صلى) وسلم (على النبي (ص)) عقب فراغه، لقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي: لا أذكر إلا وتذكر معي لطلبي.
وتقول ذلك بصوت أخفض من صوت التلبية ليتميز عنه. قال الزعفراني: ويصلي على آله. (وسأل الله تعالى) بعد ذلك (الجنة ورضوانه واستعاذ به من النار) كما رواه الشافعي وغيره عن فعله (ص)، لكن قال في المجموع:
والجمهور ضعفوه. ويسن أن يدعو بعد ذلك بما أحب دينا ودنيا. قال الزعفراني: فيقول: اللهم اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك وآمنوا بك ووثقوا بوعدك ووفوا بعهدك واتبعوا أمرك، اللهم اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت، اللهم يسر لي أداء ما نويت وتقبل مني يا كريم.
خاتمة: يسن أن لا يتكلم في التلبية إلا برد سلام فإنه مندوب وتأخيره عنها أحب، وقد يجب الكلام في أثنائها لعارض كأن رأى أعمى يقع ببئر، ويكره التسليم عليه في أثنائها لأنه يكره أن يقطعها.
باب دخوله مكة:
زادها الله شرفا وما يتعلق به، يقال: مكة بالميم وبكة بالباء لغتان، وقيل بالميم اسم للحرم كله وبالباء اسم للمسجد، وقيل بالميم البلد وبالباء البيت مع المطاف، وقيل بدونه. ولها أسماء كثيرة تقرب من ثلاثين اسما ذكرها الدميري وغيره.
قال المصنف: ولا نعلم بلدا أكثر اسما من مكة والمدينة لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله (ص) حتى قيل إن لله تعالى ألف اسم ولرسوله (ص) كذلك. ومكة أفضل الأرض عندنا خلافا لمالك في تفضيل المدينة. ونقل القاضي عياض الاجماع على أن موضع قبره (ص) أفضل الأرض، والخلاف فيما سواه. مما يدل على أفضلية مكة حديث عبد الله بن عدي رضي الله تعالى عنه: أنه سمع رسول الله (ص) وهو واقف على راحلته في سوق مكة يقول: والله إنك لخير الأرض وأحب أرض الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت رواه النسائي والترمذي، وقال حسن صحيح، قال البكري: وهو على شرط الشيخين. وأما ما روى من قوله (ص): اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني أحب