إلى القبلة ثم الاسن فالأسن على الترتيب المذكور فيما إذا دفنوا في قبر واحد كما قاله غيره. ويتجه كما قال الدميري إلحاق الزوجين والعتقاء والأصدقاء بالأقارب. (و) يندب (زيارة القبور) التي فيها المسلمون (للرجال) بالاجماع. وكانت زيارتها منهيا عنها، ثم نسخت لقوله (ص): كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تدخل النساء في ضمير الرجال على المختار. وكان (ص) يخرج إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا بكم إن شاء الله لاحقون.
اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد وروي: فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت. وإنما نهاهم أولا لقرب عهدهم بالجاهلية، فلما استقرت قواعد الاسلام واشتهرت أمرهم بها. وذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه ما حاصله: أنه من كان يستحب له زيارته في حياته من قريب أو صاحب، فيسن له زيارته في الموت كما في حال الحياة، وأما غيرهم فيسن له زيارته إن قصد بها تذكر الموت أو الترحم عليه ونحو ذلك. قال الأسنوي: وهو حسن، وذكر في البحر نحوه. قال الأذرعي: والأشبه أن موضع الندب إذا لم يكن في ذلك سفر لزيارة القبور فقط، بل في كلام الشيخ أبي محمد أنه لا يجوز السفر لذلك، واستثنى قبر نبينا (ص)، ولعل مراده أنه لا يجوز جوازا مستوي الطرفين، أي فيكره. ويسن الوضوء لزيارة القبور كما قاله القاضي الحسين في شرح الفروع. أما قبور الكفار فزيارتها مباحة وإن جزم الماوردي بحرمتها. (وتكره) زيارتها (للنساء) لأنها مظنة لطلب بكائهن ورفع أصواتهن لما فيهن من رقة القلب وكثرة الجزع وقلة احتمال المصائب، وإنما لم تحرم لأنه (ص) مر بامرأة على قبر تبكي على صبي لها فقال لها: اتقي الله واصبري متفق عليه، فلو كانت الزيارة حراما لنهى عنها. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كيف أقول يا رسول الله؟ يعني إذا زرت القبور. قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون رواه مسلم.
(وقيل تحرم) لما روى ابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي (ص) لعن زوارات القبور وليس هذا الوجه في الروضة، وبه قال صاحب المهذب وغيره. (وقيل تباح) جزم به في الاحياء وصححه الروياني إذا أمن الافتنان، عملا بالأصل والخبر فيما إذا ترتب عليها بكاء ونحو ذلك. ومحل هذه الأقوال في غير زيارة قبر سيد المرسلين، أما زيارته فمن أعظم القربات للرجال والنساء. وألحق الدمنهوري به قبور بقية الأنبياء والصالحين والشهداء، وهذا ظاهر وإن قال الأذرعي لم أره للمتقدمين. قال ابن شهبة: فإن صح ذلك فينبغي أن يكون زيارة قبر أبويها وإخوتها وسائر أقاربها كذلك فإنهم أولى بالصلة من الصالحين اه. والأولى عدم إلحاقهم بهم لما تقدم من تعليل الكراهة. ( ويسلم) ندبا، (للزائر) للقبور من المسلمين مستقبلا وجهه قائلا ما علمه النبي (ص) لأصحابه إذا خرجوا للمقابر: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية أو: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون كما رواهما مسلم، زاد أبو داود: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم لكن بسند ضعيف. وقوله: إن شاء الله للتبرك، ويجوز أن يكون للموت في تلك البقعة أو على الاسلام، أو إن بمعنى إذ كقوله تعالى:
* (وخافون إن كنتم مؤمنين) *. وقوله دار أي أهل دار، ونصبه على الاختصاص أو النداء، ويجوز جره على البدل.
والمشهور أنه يقول: السلام عليكم، وقال القاضي حسين والمتولي: لا يقل السلام عليكم لأنهم ليسوا أهلا للخطاب، بل يقول: وعليكم السلام، فقد ورد أن شخصا قال: عليك السلام يا رسول الله فقال: لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى وأجاب الأول بأن هذا إخبار عن عادة العرب لا تعليم لهم. (ويقرأ) عنده من القرآن ما تيسر وهو سنة في المقابر، فإن الثواب للحاضرين والميت كحاضر يرجى له الرحمة. وفي ثواب القراءة للميت كلام يأتي إن شاء الله تعالى في الوصايا. (ويدعو) له عقب القراءة رجاء الإجابة لأن الدعاء ينفع الميت، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة. وعند الدعاء يستقبل القبلة، وإن قال الخراسانيون باستحباب استقبال وجه الميت. قال المصنف: ويستحب الاكثار من الزيارة وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. (ويحرم نقل الميت) قبل أن يدفن من بلد موته، (إلى بلد آخر) ليدفن