فيه وإن لم يتغير لما فيه من تأخير دفنه ومن التعريض لهتك حرمته. قال الأسنوي: وتعبيرهم بالبلد لا يمكن الاخذ بظاهره بل الصحراء كذلك، فحينئذ ينتظم منها مع البلد أربع مسائل: من بلد لبلد، من بلد لصحراء، وعكسه، ومن صحراء لصحراء. ولا شك في جوازه في البلدتين المتصلتين أو المتقاربتين، لا سيما والعادة جارية بالدفن خارج البلد، ولعل العبرة في كل بلدة بمسافة مقبرتها. أما بعد دفنه فسيأتي قريبا في مسألة نبشه. (وقيل) أي قال البغوي وغيره: (يكره) لأنه لم يرد على تحريمه دليل، (إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، نص عليه) الشافعي رضي الله تعالى عنه لفضلها، وحينئذ يكون الاستثناء عائدا إلى الكراهة، ويلزم منه عدم الحرمة، أو عائدا إليهما معا. قال الأسنوي:
وهو أولى على قاعدتنا في الاستثناء عقب الجمل، والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله. والمراد بمكة جميع الحرم لا نفس البلد، قال الزركشي: وينبغي استثناء الشهيد لخبر جابر قال: أمر النبي (ص) بقتلى أحد أن يدفنوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة رواه الترمذي وصححه اه. وتقدم ما يدل عليه. وقال المحب الطبري: لا يبعد أن تلحق القرية التي فيها صالحون بالأماكن الثلاثة، وذكر أنه لو أوصى بنقله من بلد موته إلى الأماكن الثلاثة لزم تنفيذ وصيته، أي عند القرب وأمن التغيير لا مطلقا كما قاله الأذرعي. وإذا جاز النقل فينبغي كما قاله ابن شهبة أن يكون بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه، لأن فرض ذلك قد تعلق بالبلد الذي مات فيه فلا يسقط الفرض عنهم بجواز النقل، ولو مات سني في بلاد المبتدعة نقل إن لم يمكن إخفاء قبره، وكذا لو مات أمير الجيش ونحوه بدار الحرب ولو دفناه ثم لم يخف عليهم، ولو تعارض القرب من الأماكن المذكورة ودفنه بين أهله فالظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا الأول أولى. (ونبشه بعد دفنه) وقبل البلى عند أهل الخبرة بتلك الأرض، (للنقل وغيره) كصلاة عليه وتكفينه، (حرام) لأن فيه هتكا لحرمته. (إلا لضرورة، بأن دفن بلا غسل) ولا تيمم بشرطه. وهو ممن يجب غسله لأنه واجب فاستدرك عند قربه، فيجب على المشهور نبشه وغسله إن لم يتغير بنتن أو تقطع، ثم يصلى عليه. وقيل: ينبش ما بقي منه جزء، وقيل: لا ينبش مطلقا، بل يكره للهتك. ولو قال كأن دفن كان أولى لئلا يتوهم الحصر في الصور المذكورة، وسأنبه على شئ مما تركه. (أو) دفن (في أرض أو) في (ثوب مغصوبين) وطالب بهما مالكهما فيجب النبش ولو تغير الميت وإن كان فيه هتك حرمة الميت ليصل المستحق إلى حقه. ويسن لصاحبهما الترك، ومحل النبش في الثوب إذا وجد ما يكفن فيه الميت وإلا فلا يجوز النبش كما اقتضاه كلام الشيخ أبي حامد وغيره، بناء على أنا إذا لم نجد إلا ثوبا يؤخذ من مالكه قهرا ولا يدفن عريانا وهو ما في البحر وغيره، وهو الأصح كما قاله الأذرعي. قال الرافعي: والكفن الحرير كالمغصوب، قال المصنف: وفيه نظر، وينبغي أن يقطع فيه بعدم النبش اه. وهذا هو المعتمد لأنه حق لله تعالى. (أو وقع فيه) أي القبر (مال) وإن قل كخاتم، فيجب نبشه وإن تغير الميت، لأن تركه فيه إضاعة مال. وقيده في المهذب بطلب مالكه، وهو الذي يظهر اعتماده قياسا على الكفن، والفرق بأن الكفن ضروري للميت لا يجدي. وأما قوله في المجموع ولم يوافقوه عليه فقد رد بموافقة صاحبي الانتصار والاستقصاء له. وقال الأذرعي: لم يبين المصنف أن الكلام هنا في وجوب النبش أو جوازه، ويحتمل أن يحمل كلام المطلقين على الجواز، وكلام المهذب على الوجوب عند الطلب، فلا يكون مخالفا لاطلاقهم اه. ولو بلع مالا لغيره وطلبه صاحبه كما في الروضة ولم يضمن مثله أو قيمته أحد من الورثة أو غيرهم كما في الروضة نبش وشق جوفه وأخرج منه ورد لصاحبه. قال في المجموع: والتقييد بعدم الضمان غريب، والمشهور للأصحاب إطلاق الشق من غير تقييد. قال الزركشي: وفيما قاله نظر، فقد حكى صاحب البحر الاستثناء عن الأصحاب وقال: لا خلاف فيه، وهذا هو الأوجه إلا إن ابتلع مال نفسه فلا ينبش ولا يشق لاستهلاكه ما له في حال حياته. (أو دفن