وقال النسائي: ظاهر كلام الشيخين التسوية. وأفهم كلام المصنف أنه لو تقدم أو تأخر بركنين أحدهما قولي والآخر فعلي لا يضر، وهو كذلك، ومثله في الأنوار بالفاتحة والركوع. (وإلا) بأن كان التقدم بأقل من ركنين، سواء أكان بركن أم بأقل أم بأكثر، (فلا) تبطل صلاته لقلة المخالفة ولو تعمد السبق به لأنه يسير كعكسه، وله انتظاره فيما سبقه به كأن ركع قبله، فالرجوع إليه مستحب ليركع معه إن تعمد السبق جبرا لما فاته، فإن سها به تخير بين الانتظار والعودة والسبق بركن عمدا، كأن ركع ورفع والإمام قائم حرام، لخبر مسلم: لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وفي رواية صحيحة رواها الشيخان: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل رأس الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟. ويؤخذ من ذلك أن السبق ببعض الركن، كأن ركع قبل الإمام ولحقه الإمام في الركوع أنه كالسبق بركن، وهو كذلك كما جرى عليه شيخنا. (وقيل: تبطل بركن) تام في العمد لمناقضته الاقتداء، بخلاف التخلف، إذ لا يظهر فيه فحش مخالفة.
فصل: في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما. (إذا خرج الإمام من صلاته) بحدث أو غيره (انقطعت القدوة) به لزوال الرابطة، وحينئذ فيسجد لسهو نفسه ويقتدي بغيره وغيره به. (فإن لم يخرج) أي الإمام ( وقطعها المأموم) بنية المفارقة بغير عذر، (جاز) مع الكراهة لمفارقته للجماعة المطلوبة وجوبا أو ندبا مؤكدا، بخلاف ما إذا فارقه لعذر فلا كراهة لعذره وصحت صلاته في الحالين لأنها إما سنة على قول فالسنن لا تلزم بالشروع إلا في الحج والعمرة، أو فرض كفاية على الصحيح، فكذلك إلا في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة، ولان الفرقة الأولى فارقت النبي (ص) في ذات الرقاع كما سيأتي، وفي الصحيحين: أن معاذا صلى بأصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل فصلى ثم أتى النبي (ص) فأخبره بالقصة فغضب وأنكر على معاذ ولم ينكر على الرجل ولم يأمره بالإعادة.
قال المصنف: كذا استدلوا به وهو استدلال ضعيف، إذ ليس في الخبر أنه فارقه وبنى، بل في رواية أنه سلم ثم استأنفها فهو إنما يدل على جواز الابطال لعذر. وأجيب بأن البيهقي قال: إن هذه الرواية شاذة انفرد بها محمد بن عبادة عن سفيان، ولم يذكرها أكثر أصحاب سفيان، ثم بتقدير عدم الشذوذ، أجيب بأن الخبر يدل على المدعى أيضا، لأنه إذا دل على جواز إبطال أصل العبادة فعلى إبطال صفتها أولى. واختلف في أي الصلاة كانت هذه القصة، ففي رواية لأبي داود والنسائي أنها كانت في المغرب، وفي رواية الصحيحين وغيرهما أن معاذا افتتح سورة البقرة، وفي رواية للإمام أحمد أنها كانت في العشاء، فقرأ: * (اقتربت الساعة) *. قال في المجموع: فيجمع بين الروايات بأن تحمل على أنهما قضيتان لشخصين، ولعل ذلك كان في ليلة واحدة، فإن معاذا لا يفعله بعد النهي، ويبعد أنه نسيه. وجمع بعضهم بين روايتي القراءة بأنه قرأ بهذه في ركعة وبهذه في أخرى. (وفي قول) قديم (لا يجوز) أن يخرج من الجماعة، لأنه التزم القدوة في كل صلاته وفيه إبطال للعمل، وقد قال تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *. (إلا بعذر) فتبطل الصلاة بدونه.
وضبط الإمام العذر بما (يرخص في ترك الجماعة) أي ابتداء، وقال: إنه أقرب معتبر، وألحقوا به ما ذكره المصنف بقوله (ومن العذر تطويل الإمام) والمأموم لا يصبر على التطويل لضعف أو شغل لرواية الصحيحين في قصة معاذ أن الرجل قال: يا رسول الله إن معاذا افتتح سورة البقرة ونحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا فتأخرت وصليت. (أو تركه سنة مقصودة كتشهد) أول وقنوت فله فراقه ليأتي بتلك السنة.
تنبيه: لا يجوز قطع الجماعة في الركعة الأولى من الجمعة لما سيأتي بأن الجماعة في الركعة الأولى فيها شرط، وأما في الثانية فليست بشرط فيها، فيجوز الخروج فيها خلافا لما في الكفاية من عدم الجواز، ولو تعطلت الجماعة بخروجه وقلنا بأنها فرض كفاية، فينبغي كما قاله بعض المتأخرين عدم الخروج منها، لأن فرض الكفاية إذا انحصر في شخص