فصل: إذا (رأت) المرأة من الدماء (لسن الحيض أقله) أي الحيض فأكثر، (ولم يعبر) أي يجاوز (أكثره فكله حيض) سواء أكان أسود أم لا، وسواء أكانت مبتدأة أم معتادة تغيرت عادتها أم لا، إلا أن يكون عليها بقية طهر كأن رأت ثلاثة أيام دما، ثم اثني عشر نقاء، ثم ثلاثة دما، ثم انقطع، فالثلاثة الأخيرة دم فساد لا حيض، ذكر ذلك في المجموع مفرقا. ولو عبر بزمن إمكان الحيض قدره بدل قوله لسن الحيض أقله لشمل ما ذكر واستغنى عن زيادة فأكثر، لأن الأقل لا يعبر الأكثر، ثم رأيت شيخنا في منهجه عبر بذلك. (والصفرة والكدرة) كل منهما (حيض في الأصح).
وفي الروضة: الصحيح، لأنه الأصل فيما تراه المرأة في زمن الامكان. والثاني: لا، لأنه ليس على لون الدم، لقول أم عطية:
كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا. وأجاب الأول بأن هذا معارض بقول عائشة رضي الله تعالى عنها لما كانت النساء يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة، رواه مالك. والدرجة بضم الدال وإسكان الراء وبالجيم، وروي بكسر الدال وفتح الراء. وهي نحو خرقة كقطنة تدخلها المرأة فرجها ثم تخرجها لتنظر هل بقي شئ من أثر الدم أو لا. والكرسف: القطن. وحاصل ذلك أنها تضع قطنة في أخرى أكبر منها أو في نحو خرقة وتدخلها فرجها، وكأنها تفعل ذلك لئلا يتلوث بدنها بالقطنة الصغرى.
والقصة بفتح القاف: الجص، شبهت الرطوبة النقية بالجص في الصفاء. ومحل الخلاف إذا رأت ذلك في غير أيام العادة، فإن رأته في العادة، قال في الروضة: فحيض جزما، لكن في التتمة: لا بد من قوي معه. وقيل: يجب تقدم القوي فيحسن حينئذ إطلاق الخلاف. وكلام المصنف يفهم أن الصفرة والكدرة دمان. والذي في المجموع: قال الشيخ أبو حامد: هما ماء أصفر وماء كدر وليسا بدم، والإمام: هما شئ كالصديد تعلوه صفرة وكدرة ليسا على لون الدماء اه. وكلام الإمام هو الظاهر كما جزم به في أصل الروضة. ثم أخذ في بيان ما إذا جاوز دم المرأة خمسة عشر يوما وتسمى بالمستحاضة ولها سبعة أحوال، لأنها إما مميزة أو لا، وكل منهما إما مبتدأة أو معتادة، وغير المميزة الناسية للعادة وهي المتحيرة إما ناسية للقدر والوقت أو للأول دون الثاني أو للثاني دون الأول. فقال مبتدئا بالمبتدأة المميزة: (فإن عبره) أي جاوز الدم أكثر الحيض، (فإن كانت) أي من جاوز دمها أكثر الحيض (مبتدأة) وهي التي ابتدأها الدم، (مميزة بأن ترى) في بعض الأيام دما (قويا و) في بعضها دما (ضعيفا) يعني بأن ترى ذلك في أول حيضة كالأسود والأحمر، فهو ضعيف بالنسبة للأسود قوي بالنسبة للأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر وهو أقوى من الاكدر، وما له رائحة كريهة أقوى مما لا رائحة له، والثخين أقوى من الرقيق، فالأقوى ما صفاته من ثخن ونتن وقوة لون أكثر، فيرجح أحد الدمين بما زاد منها، فإن استويا فبالسبق. والمراد بالضعيف الضعيف المحض، فلو بقي فيه خطوط مما قبله فهو ملحق به بالشروط الآتية. (فالضعيف) من ذلك (استحاضة) وإن طال، (والقوي) منه (حيض إن لم ينقص) القوي (عن أقله) أي الحيض وهو يوم وليلة كما مر، (ولا عبر) أي جاوز (أكثره) وهو خمسة عشر يوما كما مر أيضا متصلة، لأن الحيض لا يزيد على ذلك. (ولا نقص الضعيف) إن استمر (عن أقل الطهر) وهو خمسة عشر يوما كما مر أيضا متصلة فأكثر، حتى لو رأت يوما وليلة أسود ثم اتصل به الضعيف وتمادى سنين كان طهرا وإن كانت ترى الدم دائما، لأن أكثر الطهر لا حد له كما سلف. فإن فقد شرط من ذلك كأن رأت الأسود يوما فقط أو ستة عشر أو الضعيف أربعة عشر ورأت أبدا يوما أسود ويومين أحمر، فكغير المميزة وسيأتي حكمها، وإنما يفتقر إلى القيد الثالث إذا استمر الدم كما قررته وصرح به المتولي للاحتراز عما لو رأت عشرة سواد ثم عشرة حمرة أو نحوها وانقطع الدم فإنها تعمل بتمييزها مع أن الضعيف نقص عن خمسة عشر، وهذا معلوم والتنبيه عليه للايضاح، وإن اجتمع قوي وضعيف وأضعف فالقوي مع ما يناسبه منهما وهو الضعيف حيض بشروط ثلاثة: وهي أن يتقدم القوي ويتصل به الضعيف