بقاؤه على إحرامه ولا يؤمر بالتحلل، وهو بمثابة من أحرم بالصلاة في وقتها ثم مدها بالقراءة حتى خرج الوقت، فإن كان طاف للوداع وخرج وقع عن طواف الفرض وإن لم يطف للوداع ولا غيره لم يستبح النساء وإن طال الزمان لبقائه محرما. (وإذا قلنا: الحلق نسك) وهو المشهور، (ففعل اثنين من الرمي) أي يوم النحر، (والحلق) أو التقصير (والطواف) المتبوع بالسعي إن لم يكن فعل قبل، (حصل التحلل الأول) من تحللي الحج، (وحل به اللبس) وستر الرأس للرجل والوجه للمرأة، (والحلق) إن لم يفعل وإن لم يجعله نسكا، (والقلم) والطيب، بل يسن التطيب، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: طيبت رسول الله (ص) لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، متفق عليه.
والدهن ملحق بالتطيب، وكذا الباقي بجامع الاشتراك في الاستمتاع. (وكذا) يحل (الصيد وعقد النكاح) والمباشرة فيما دون الفرج كالقبلة والملامسة، (في الأظهر) لأنها من المحرمات التي لا يوجب تعاطيها إفسادا، فأشبهت الحلق، وهذا ما صححه في الشرح الصغير. (قلت: الأظهر لا يحل عقد النكاح) وكذا المباشرة فيما دون الفرج (والله أعلم) لما روى النسائي بإسناد جيد كما قاله المصنف: إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء وهذا ما نسبه في الشرح الكبير إلى تصحيح الأكثرين، وقال: إن قولهم أوفق لكلام النص في المختصر، ونقله في الروضة والمجموع عن الأكثرين. (وإذا فعل الثالث) بعد الاثنين (حصل التحلل الثاني وحل به باقي المحرمات) بالاجماع، ويجب عليه الاتيان بما بقي من أعمال الحج وهو الرمي والمبيت مع أنه غير محرم، كما أنه يخرج من الصلاة بالتسليمة الأولى ويطلب منه التسليمة الثانية، لكن المطلوب هنا على سبيل الوجوب، وهناك على سبيل الندب. ويستحب تأخير الوطئ عن باقي أيام الرمي ليزول عنه أثر الاحرام. فإن قيل: يشكل على ذلك خبر: أيام منى أيام أكل وشرب وبعال. أجيب بأن هذه الأيام لا يمتنع فيها ذلك، وهو كذلك، وإنما استحب للحاج ترك الجماع لما ذكر. ومن فاته رمي يوم النحر بأن أخره عن أيام التشريق ولزمه بدله توقف التحلل على البدل ولو صوما لقيامه مقامه. فإن قيل:
ما الفرق بين هذا وبين المحصر إذا عدم الهدي، فإن الأصح عدم توقف التحلل على بدله وهو الصوم؟ أجيب بأن المحصر ليس له إلا تحلل واحد، فلو توقف تحلله على البدل لشق عليه المقام على سائر محرمات الحج إلى الاتيان بالبدل، والذي يفوته الرمي يمكنه الشروع في التحلل الأول، فإذا أتى به حل له ما عدا النكاح ومقدماته وعقده فلا مشقة عليه في الإقامة على الاحرام حتى يأتي بالبدل. هذا في تحلل الحج، أما العمرة فليس لها إلا تحلل واحد، لأن الحج يطول زمنه وتكثر أعماله، فأبيح بعض محرماته في وقت وبعضها في وقت آخر بخلاف العمرة، ونظير ذلك الحيض والجنابة لما طال زمن الحيض جعل لارتفاع محظوراته محلان: انقطاع الدم والاغتسال، والجنابة لما قصر زمنها جعل لارتفاع محظوراتها محل واحد.
فصل: في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق. (إذا عاد إلى منى) بعد الطواف والسعي إن لم يكن سعى بعد قدوم، (بات بها) حتما (ليلتي) يومي، (التشريق) والثالثة أيضا، للاتباع المعلوم من الأخبار الصحيحة مع خبر: خذوا عني مناسككم. والواجب معظم الليل، كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمعظم الليل. وإنما اكتفى بساعة في نصفه الثاني بمزدلفة كما مر لأن نص الشافعي وقع فيها بخصوصها، إذ بقية المناسك يدخل وقتها بالنصف، وهي كثيرة مشقة، فسومح في التخفيف لأجلها. وسميت هذه أيام التشريق لاشراف نهارها بنور الشمس، وليلها بنور القمر، وقيل: لأن الناس يشرقون اللحم فيها في الشمس، وهذه الأيام هي المعدودات في قوله تعالى في البقرة: * (واذكروا